﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ [ص : ٧١] بدل من ﴿ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آل عمران : ٤٤] أي في شأن آدم حين قال تعالى على لسان ملك ﴿ لِلْمَلَـائكَةِ إِنِّى خَـالِقُ بَشَرًا مِّن طِينٍ ﴾ [ص : ٧١] وقال ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ [البقرة : ٣٠] (البقرة : ٠٣) ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ﴾ [الحجر : ٢٩] فإذا أتممت خلقته وعدلته ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى ﴾ [الحجر : ٢٩] الذي خلقته، وأضافه إليه تخصيصاً كبيت الله وناقة الله، والمعنى أحييته وجعلته حساساً متنفساً ﴿ فَقَعُوا ﴾ أمر من وقع يقع أي اسقطوا على الأرض والمعنى اسجدوا ﴿ لَهُ سَـاجِدِينَ ﴾ [الحجر : ٢٩] قيل : كان انحناء يدل على التواضع.
وقيل : كان سجدة لله أو كان سجدة التحية ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَـائكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [الحجر : ٣٠] " كل " للإحاطة وأجمعون للاجتماع فأفاد أنهم سجدوا عن آخرهم جميعهم في وقت واحد غير متفرقين في أوقات
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧١
﴿ إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ ﴾ [ص : ٧٤] تعظم عن السجود ﴿ وَكَانَ مِنَ الْكَـافِرِينَ ﴾ [البقرة : ٣٤] وصار من الكافرين بإباء الأمر
٧١
﴿ قَالَ يَـاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ ﴾ [ص : ٧٥] ما منعك عن السجود ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ ﴾ [ص : ٧٥] أي بلا واسطة امتثالاً لأمري وإعظاماً لخطابي، وقد مر أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيده فغلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما حتى قيل في عمل القلب : هو ما عملت يداك، حتى قيل لمن لا يدين له : يداك أو كتافوك نفخ.
وحتى لم يبق فرق بين قولك " هذا مما عملته " و " هذا مما عملته يداك "، ومنه قوله ﴿ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ ﴾ [يس : ٧١] (يس : ١٧) و ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ ﴾ [ص : ٧٥] ﴿ أَسْتَكْبَرْتَ ﴾ استفهام إنكار ﴿ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾ [ص : ٧٥] ممن علوت وفقت.
وقيل : أستكبرت الآن أم لم تزل مذ كنت من المستكبرين.
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [الأعراف : ١٢] يعني لو كان مخلوقاً من نار لما سجدت له لأنه مخلوق مثلي فكيف أسجد لمن هو دوني لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله؟ وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهي ﴿ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ ﴾ [الأعراف : ١٢] مجرى المعطوف عطف البيان والإيضاح.
﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا ﴾ [الحجر : ٣٤] من الجنة أو من السماوات أو من الخلقة التي أنت فيها، لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته واسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسناً وأظلم بعدما كان نورانياً ﴿ فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴾ [الحجر : ٣٤] مرجوم أي مطرود.
تكبر إبليس أن يسجد لمن خلق من طين وزل عنه أن الله أمر به ملائكته واتبعوا أمره إجلالاً لخطابه وتعظيماً لأمره فصار مرجوماً ملعوناً بترك أمره ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى ﴾ [ص : ٧٨] بفتح الياء : مدني أي إبعادي من كل الخير ﴿ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر : ٣٥] أي يوم الجزاء ولا يظن أن لعنته غايتها يوم الدين ثم تنقطع، لأن معناه أن عليه اللعنة في الدنيا وحدها فإذا كان يوم الدين اقترن بها العذاب فينقطع الانفراد، أو لما كان عليه اللعنة في أوان الرحمة فأولى أن تكون عليه في غير أوانها، وكيف تنقطع وقد قال الله تعالى ﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ ﴾ [الأعراف : ٤٤]
٧٢
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى ﴾ [الحجر : ٣٦] فأمهلني ﴿ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ الوقت المعلوم الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى، ويومه اليوم الذي وقت النفخة جزء من أجزائه، ومعنى المعلوم أنه معلوم عند الله معين لا يتقدم ولا يتأخر ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص : ٨٢] أي أقسم بعزة الله وهي سلطانه وقهره ﴿ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر : ٤٠] وبكسر اللام : مكي وبصري وشامي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧١