﴿ قُلْ يَـاعِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [الزمر : ١٠] بلا ياء عند الأكثر ﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾ [النساء : ١] بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَـاذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾ [النحل : ٣٠] أي أطاعوا الله في الدنيا.
و " في " يتعلق بـ ﴿ أَحْسَنُوا ﴾ لا بـ ﴿ حَسَنَةٌ ﴾، معناه الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة أي حسنة لا توصف.
وقد علقه السدي بـ ﴿ حَسَنَةٌ ﴾ ففسر الحسنة بالصحة والعافية.
ومعنى ﴿ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾ [الزمر : ١٠] أي لا عذر للمفرطين في الإحسان البتة حتى إن اعتلوا بأنهم لا يتمكنون في أوطانهم من التوفر على الإحسان.
قيل لهم : فإن أرض الله واسعة وبلاده كثيرة، فتحولوا إلى بلاد أخرى.
واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحساناً إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ ﴾ [الزمر : ١٠] على مفارقة أوطانهم وعشارئهم وعلى غيرها من تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير ﴿ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر : ١٠] عن ابن عباس رضي الله عنهما : لا يهتدي إليه حساب الحسّاب ولا يعرف.
وهو حال من الأجر أي موفراً ﴿ قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ ﴾ [الزمر : ١١] بأن أعبد الله ﴿ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر : ٢] أي أمرت بإخلاص الدين ﴿ وَأُمِرْتُ لانْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الزمر : ١٢] وأمرت بذلك لأجل أن أكون أول المسلمين أي مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة، والمعنى أن الإخلاص له السّبقة
٧٩
في الدين فمن أخلص كان سابقاً، فالأول أمر بالعبادة مع الإخلاص، والثاني بالسبق فلاختلاف جهتيهما نزلاً منزلة المختلفين، فصح عطف أحدهما على الآخر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٩
﴿ قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام : ١٥] لمن دعاك بالرجوع إلى دين آبائك، وذلك أن كفار قريش قالوا له عليه السلام : ألا تنظر إلى أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فنزلت رداً عليهم ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِى ﴾ [الزمر : ١٤] وهذه الآية إخبار بأنه يخص الله وحده بعبادته مخلصاً له دينه دون غيره، والأولى إخبار بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فالكلام أولاً واقع في نفس الفعل وإثباته، وثانياً فيما يفعل الفعل لأجله ولذلك رتب عليه قوله :
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ﴾ [الزمر : ١٥] وهذا أمر تهديد.
وقيل له عليه السلام : إن خالفت دين آبائك فقد خسرت فنزلت ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَـاسِرِينَ ﴾ [الزمر : ١٥] أي الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه ﴿ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ [الأعراف : ٩] بإهلاكها في النار ﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ أي وخسروا أهليهم ﴿ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [القيامة : ٦] لأنهم أضلوهم فصاروا إلى النار، ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله :﴿ أَلا ذَالِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر : ١٥] حيث صدر الجملة بحرف التنبيه ووسط الفصل بين المبتدأ والخبر وعرف الخسران ونعته بالمبين، وذلك لأنهم استبدلوا بالجنة ناراً وبالدرجات دركات ﴿ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ [الزمر : ١٦] أطباق ﴿ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ [الزمر : ١٦] أطباق من النار وهي ظلل لآخرين أي النار محيطة بهم ﴿ ذَالِكَ ﴾ الذي وصف من العذاب أو ذلك الظلل ﴿ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ﴾ [الزمر : ١٦] ليؤمنوا به ويجتنبوا مناهيه ﴿ يَـاعِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر : ١٦] ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي خوّفهم بالنار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٩
ثم حذرهم نفسه ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّـاغُوتَ ﴾ [الزمر : ١٧] الشياطين " فعلوت " من الطغيان كالملكوت
٨٠