أي بالأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه، وذلك أن قريشاً قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وإنا نخشى عليك مضرتها لعيبك إياها ﴿ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَـاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ ﴾ بغالب منيع ﴿ ذِى انتِقَامٍ ﴾ [الزمر : ٣٧] ينتقم من أعدائه، وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم وينصرهم عليهم.
ثم أعلم بأنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض بقوله ﴿ وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ ﴾ [الزمر : ٣٨] بفتح الياء سوى حمزة ﴿ بِضُرٍّ ﴾ مرض أو فقر أو غير ذلك ﴿ هَلْ هُنَّ كَـاشِفَـاتُ ضُرِّهِ ﴾ [الزمر : ٣٨] دافعات شدته عني ﴿ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ ﴾ [الزمر : ٣٨] صحة أو غنى أو نحوهما ﴿ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـاتُ رَحْمَتِهِ ﴾ [الزمر : ٣٨] ﴿ كَـاشِفَـاتُ ضُرِّهِ ﴾ [الزمر : ٣٨]، و ﴿ مُمْسِكَـاتُ رَحْمَتِهِ ﴾ [الزمر : ٣٨] بالتنوين على الأصل : بصري، وفرض المسئلة في نفسه دونهم لأنهم خوفوه معرة الأوثان وتخبيلها، فأمر بأن يقررهم أولاً بأن خالق العالم هو الله وحده ثم يقول لهم بعد التقرير : فإن أرادني خالق العالم الذي أقررتم به بضر أو برحمة هل يقدرون على خلاف ذلك؟ فلما أفحمهم قال الله تعالى :﴿ قُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ ﴾ [الزمر : ٣٨] كافياً لمعرة أوثانكم ﴿ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر : ٣٨] يروى أن النبي صلى الله عليه وسلّم سألهم فسكتوا فنزل ﴿ قُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ ﴾ [الزمر : ٣٨]، وإنما قال ﴿ كَـاشِفَـاتُ ﴾ و ﴿ مُمْسِكَـاتُ ﴾ على التأنيث بعد قوله ﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾ [الزمر : ٣٦] لأنهن إناث وهن اللات والعزى ومناة، وفيه تهكم بهم وبمعبوديهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٥
﴿ قُلْ يَـاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ﴾ [الأنعام : ١٣٥] على حالكم التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها، والمكانة بمعنى المكان فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا وحيث للزمان وهما للمكان ﴿ إِنِّى عَـامِلٌ ﴾ [هود : ٩٣] أي على مكانتي وحذف
٨٧
للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد والإيذان بأن حالته تزداد كل يوم قوّة لأن الله تعالى ناصره ومعينه، ألا ترى إلى قوله :﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [هود : ٣٩] كيف توعدهم بكونه منصوراً عليهم غالباً عليهم في الدنيا والآخرة، لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزه وغلبته من حيث إن الغلبة تتم له بعز عزيز من أوليائه وبذل ذليل من أعدائه، و ﴿ يُخْزِيهِ ﴾ صفة للعذاب كـ ﴿ مُّقِيمٌ ﴾ أي عذاب مخزلة وهو يوم بدر، وعذاب دائم وهو عذاب النار.
أبو بكر وحماد.
﴿ مُّقِيمٌ * إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـابَ ﴾ [الزمر : ٤١] القرآن ﴿ لِلنَّاسِ ﴾ لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ليبشروا وينذروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية ﴿ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ ﴾ [الزمر : ٤١] فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه ﴿ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ [يونس : ١٠٨] ومن اختار الضلالة فقد ضرها ﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام : ١٠٧] بحفيظ.
﴿ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ * اللَّهُ يَتَوَفَّى الانفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ الأنفس الجمل كما هي، وتوفيها إماتتها وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة دراكة ﴿ وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ﴾ ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيهاً للنائمين بالموتى حيث لا يميزون ولا يتصرفون كما أن الموتى كذلك، ومنه قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّـاـاكُم بِالَّيْلِ ﴾ [الأنعام : ٦٠] (الأنعام : ٠٦) ﴿ فَيُمْسِكُ ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٥