﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف : ١١٠] هذا جواب لقولهم ﴿ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ ﴾ [فصلت : ٥] ووجهه أنه قال لهم : إني لست بملك وإنما أنا بشر مثلكم وقد أوحي إلي دونكم فصحت نبوتي بالوحي إليّ وأنا بشر، وإذا صحت نبوتي وجب عليكم اتباعي وفيما يوحى إليّ أن إلهكم إله واحد ﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾ [فصلت : ٦] فاستووا إليه بالتوحيد وإخلاص العبادة غير ذاهبين يميناً ولا شمالاً ولا ملتفتين إلى ما يسول لكم الشيطان من اتخاذ الأولياء والشفعاء ﴿ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ من الشرك ﴿ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزكاة ﴾ لا يؤمنون بوجوب الزكاة ولا يعطونها أو لا يفعلون ما يكونون به أزكياء وهو الإيمان ﴿ وَهُم بِالاخِرَةِ ﴾ [الأعراف : ٤٥] بالبعث والثواب والعقاب ﴿ هُمْ كَـافِرُونَ ﴾ [هود : ١٩] وإنما جعل منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على استقامته وصدق نيته ونصوع طويته، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا
١٢٩
فقرت عصبيتهم ولانت شكيمتهم، وما ارتدت بنو حنيفة إلا بمنع الزكاة، وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة وتخويف شديد من منعها ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـانُ وُدًّا ﴾ [مريم : ٩٦] مقطوع.
قيل : نزلت في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٨
﴿ قُلْ أَاـاِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الارْضَ فِى يَوْمَيْنِ ﴾ الأحد والاثنين تعليماً للأناة ولو أراد أن يخلقها في لحظة لفعل ﴿ وَتَجْعَلُونَ لَهُا أَندَادًا ﴾ [فصلت : ٩] شركاء وأشباهاً ﴿ ذَالِكَ ﴾ الذي خلق ما سبق ﴿ رَبُّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الفاتحة : ٢] خالق جميع الموجودات وسيدها ومربيها ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا ﴾ [فصلت : ١٠] في الأرض ﴿ رَوَاسِىَ ﴾ جبالاً ثوابت ﴿ مِن فَوْقِهَا ﴾ [الزمر : ٢٠] إنما اختار إرساءها فوق الأرض لتكون منافع الجبال ظاهرة لطالبيها، وليبصر أن الأرض والجبال أثقال على أثقال كلها مفتقرة إلى ممسك وهو الله عز وجل ﴿ وَبَـارَكَ ﴾ بالماء والزرع والشجر والثمر ﴿ فِيهَا ﴾ وفي الأرض.
وقيل : وبارك فيها وأكثر خيرها ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا ﴾ [فصلت : ١٠] أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا ﴾ ﴿ فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾ [فصلت : ١٠] في تتمة أربعة أيام يريد بالتتمة اليومين تقول : سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة وإلى الكوفة في خمسة عشر أي تتمة خمسة عشر ولا بد من هذا التقدير، لأنه لو أجرى على الظاهر لكانت ثمانية أيام لأنه قال ﴿ خَلَقَ الارْضَ فِى يَوْمَيْنِ ﴾ [فصلت : ٩] ثم قال ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾ [فصلت : ١٠] ثم قال ﴿ فَقَضَـاـاهُنَّ سَبْعَ سَمَـاوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ ﴾ فيكون خلاف قوله ﴿ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [الأعراف : ٥٤] (ق : ٨٣) في موضع آخر، وفي الحديث :" إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والإثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء،
١٣٠
وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والعمران والخراب فتلك أربعة أيام، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، وخلق آدم عليه السلام في آخر ساعة من يوم الجمعة ".
قيل : هي الساعة التي تقوم فيها القيامة ﴿ سَوَآءً ﴾ ـ ﴿ سَوَآءً ﴾ : ـ يعقوب صفة للأيام أي في أربعة أيام مستويات تامات، ﴿ سَوَآءً ﴾ بالرفع : يزيد أي هي سواء، غيرهما ﴿ سَوَآءً ﴾ على المصدر أي استوت سواء أي استواء أو على الحال ﴿ لِّلسَّآ ـاِلِينَ ﴾ متعلق بـ ﴿ قُدِرَ ﴾ أي قدر فيها الأقوات لأجل الطالبين لها والمحتاجين إليها، لأن كلاً يطلب القوت ويسأله، أو بمحذوف كأنه قيل : هذا الحصر لأجل من سأل في كم خلقت الأرض وما فيها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٨


الصفحة التالية
Icon