١٣٩
حد معلوم وتناوبهما على قدر مقسوم ﴿ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ [الأنعام : ٩٦] في اختصاصهما بسير مقدور ونور مقرر ﴿ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ ﴾ [فصلت : ٣٧] فإنهما مخلوقان وإن كثرت منافعهما ﴿ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [فصلت : ٣٧] الضمير في ﴿ خَلَقَهُنَّ ﴾ للآيات أو الليل والنهار والشمس والقمر، لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث، تقول : الأقلام بريتها وبريتهن، ولعل ناساً منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لها السجود لله تعالى، فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصاً إن كانوا إياه يعبدون وكانوا موحدين غير مشركين، فإن من عبد مع الله غيره لا يكون عابداً لله.
﴿ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ ﴾ [فصلت : ٣٨] أي الملائكة ﴿ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْـاَمُونَ ﴾ [فصلت : ٣٨] لا يملون.
والمعنى فإن استكبروا ولم يمتثلوا ما أمروا به وأبوا إلا الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصاً، فدعهم وشأنهم فإن الله تعالى لا يعدم عابد ساجد بالإخلاص وله العباد المقربون الذين ينزهونه بالليل والنهار عن الأنداد.
و ﴿ عِندَ رَبِّكَ ﴾ [الكهف : ٤٦]عبارة عن الزلفى والمكانة والكرامة.
وموضع السجدة عندنا ﴿ لا يَسْـاَمُونَ ﴾ [فصلت : ٣٨] وعند الشافعي رحمه الله عند ﴿ تَعْبُدُونَ ﴾ والأول أحوط.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٨
﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الارْضَ خَـاشِعَةً ﴾ [فصلت : ٣٩] يابسة مغبرة والخشوع التذلل فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها ﴿ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ ﴾ [الحج : ٥] المطر ﴿ اهْتَزَّتْ ﴾ تحركت بالنبات ﴿ وَرَبَتْ ﴾ انتفخت ﴿ إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى ا إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ فيكون قادراً على البعث ضرورة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءَايَـاتِنَا ﴾ [فصلت : ٤٠] يميلون عن الحق في أدلتنا بالطعن، يقال :
١٤٠
ألحد الحافر ولحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق فاستعير لحال الأرض إذا كانت ملحودة، فاستعير للانحراف في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة.
﴿ يُلْحِدُونَ ﴾ حمزة ﴿ لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ ﴾ [فصلت : ٤٠] وعيد لهم على التحريف ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءَايَـاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَى فِى ﴾ [فصلت : ٤٠] هذا تمثيل للكافر والمؤمن ﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ﴾ [فصلت : ٤٠] هذا نهاية في التهديد ومبالغة في الوعيد ﴿ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود : ١١٢] فيجازيكم عليه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ ﴾ [فصلت : ٤١] بالقرآن لأنهم لكفرهم به طعنوا فيه وحرفوا تأويله ﴿ لَمَّا جَآءَهُمْ ﴾ [سبأ : ٤٣] حين جاءهم.
وخبر " إن " محذوف أي يعذبون أو هالكون أو ﴿ أُوالَـائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَان بَعِيدٍ ﴾ [فصلت : ٤٤] وما بينهما اعتراض ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَـابٌ عَزِيزٌ ﴾ [فصلت : ٤١] أي منيع محمي بحماية الله ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَـاطِلُ ﴾ [فصلت : ٤٢] التبديل أو التناقض ﴿ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ﴾ [فصلت : ٤٢] أي بوجه من الوجوه ﴿ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت : ٤٢] مستحق للحمد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٨