﴿ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا ﴾ [يس : ٣٣] أريد به الجنس ﴿ فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴾ [يس : ٣٣] قدم الظرف ليدل على أن الحب هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق منه صلاح الإنس، وإذا قل جاء القحط ووقع الضر وإذا فقد حضر الهلاك ونزل البلاء ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا ﴾ [يس : ٣٤] في الأرض ﴿ جَنَّـاتٍ ﴾ بساتين ﴿ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴾ [يس : ٣٤] " من " زائدة عند الأخفش وعند غيره المفعول محذوف تقديره ما ينتفعون به ﴿ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ﴾ [يس : ٣٥] والضمير لله تعالى أي ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر.
﴿ مِن ثَمَرِهِ ﴾ [الأنعام : ١٤١] حمزة وعلي ﴿ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ﴾ [يس : ٣٥] أي ومما عملته أيديهم من الغرس والسقي والتلقيح وغير ذلك من الأعمال إلى أن يبلغ الثمر منتهاه، يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه وفيه آثار من كد بني آدم وأصله من ثمرنا كما قال ﴿ وَجَعَلْنَا ﴾ ﴿ وَفَجَّرْنَا ﴾ فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريق الالتفات.
ويجوز أن يرجع الضمير إلى النخيل وتترك الأعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها في حكم النخيل مما علق به من أكل ثمره، ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال رؤبة.
فيها خطوط من بياض وبلق
كأنه في الجلد توليع البهق
فقيل له فقال : أردت كأن ذاك.
﴿ وَمَا عَمِلَتْهُ ﴾ [آل عمران : ٣٠] كوفي غير حفص وهي في مصاحف أهل الكوفة كذلك، وفي مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام مع الضمير.
وقيل :" ما " نافية على أن الثمر خلق الله ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه ﴿ أَفَلا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس : ٣٥] استبطاء وحث على شكر النعمة.
١٣
﴿ سُبْحَـانَ الَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ ﴾ [يس : ٣٦] الأصناف ﴿ كُلَّهَا مِمَّا تُنابِتُ الارْضُ ﴾ [يس : ٣٦] من النخيل والشجر والزرع والثمر ﴿ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ [يس : ٣٦] الأولاد ذكوراً وإناثاً ﴿ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يس : ٣٦] ومن أزواج لم يطلعهم الله عليها ولا توصلوا إلى معرفتها، ففي الأودية والبحار أشياء لا يعلمها الناس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١
﴿ وَءَايَةٌ لَّهُمُ الَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ﴾ نخرج منه النهار إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوء النهار، أو ننزع عنه الضوء نزع القميص الأبيض فيعرى نفس الزمان كشخص زنجي أسود لأن أصل ما بين السماء والأرض من الهواء الظلمة فاكتسى بعضه ضوء الشمس كبيت مظلم أسرج فيه فإذا غاب السراج أظلم ﴿ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴾ [يس : ٣٧] داخلون في الظلام ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِى ﴾ [يس : ٣٨] وآية لهم الشمس تجري ﴿ لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ [يس : ٣٨] لحد لها موقت مقدر تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة، شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرائي عيوننا وهو المغرب، أو لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا ﴿ ذَالِكَ ﴾ الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق ﴿ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ ﴾ [الأنعام : ٩٦] الغالب بقدرته على كل مقدور ﴿ الْعَلِيمِ ﴾ بكل معلوم ﴿ وَالْقَمَرَ ﴾ نصب بفعل يفسره ﴿ قَدَّرْنَـاهُ ﴾ وبالرفع مكي ونافع وأبو عمرو وسهل على الابتداء والخبر قدرناه أو على " وآية لهم القمر " ﴿ مَنَازِلَ ﴾ وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل القمر كل ليلة وفي واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستوٍ يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين، ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر.
ولا بد في ﴿ قَدَّرْنَـاهُ مَنَازِلَ ﴾ [يس : ٣٩] من تقدير مضاف لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل أي قدرنا نوره فيزيد وينقص، أو قدرنا مسيره منازل فيكون ظرفاً فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس ﴿ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ﴾ [يس : ٣٩] هو عود الشمراخ إذا يبس واعوج
١٤
ووزنه فعلون من الانعراج وهو الانعطاف ﴿ الْقَدِيمِ ﴾ العتيق المحول وإذا قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر به من ثلاثة أوجه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١


الصفحة التالية
Icon