واعلم أن هذا البلاء والخسران جزاء من لم يعرف قدر الإحسان ومن يكافىء المنعم بالكفران يرد من عزة الوصال إلى ذل الهجران وكان عقوبة الأمم بالخسف والمسخ على الأجساد وعقوبة هذه الأمة على القلوب وعقوبات القلوب أشد من عقوبات النفوس قال الله تعالى :﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ (الأنعام : ١١٠) الآية هكذا حال من لم يتأدب في خدمة الملوك وينخرط في أثناء السلوك ومن لم يتخط بساط القربة بقدم الحرمة يستوجب الحرمان ويستجلب الخسران ويبتلي بسياسة السلطان.
ثم علامة المسخ مثل الخنزير أن يأكل العذرات ومن أكل الحرام فقلبه ممسوخ.
ويقال علامة مسخ القلب ثلاثة أشياء لا يجد حلاوة الطاعة ولا يخاف من المعصية ولا يعتبر بموت أحد بل يصير أرغب في الدنيا كل يوم كذا في "زهرة الرياض".
وروى عن عوف بن عبد الله أنه قال : كان أهل الخير يكتب بعضهم بثلاث كلمات من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته.
قال محمد بن علي الترمذي صلاح أربعة أصناف في أربعة مواطن : صلاح الصبيان في الكتاب، وصلاح القطاع في السجن، وصلاح النساء في البيوت، وصلاح الكهول في المساجد.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥٥
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ توبيخ آخر لأخلاف بني إسرائيل بتذكير بعض جنايات صدرت من أسلافهم أي : واذكروا قول موسى عليه السلام لأجدادكم :﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ هي الأنثى من نوع الثور أو واحد البقر ذكراً كان أو أنثى من البقر وهو الشق سميت به لأنها تبقر الأرض أي : تشقها للحراثة وسببه أنه كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتله بنو عمه طمعاً في ميراثه فطرحوه على باب المدينة أو حملوه إلى قرية أخرى وألقوه بفنائها ثم جاؤوا يطالبون بديته وجاؤوا بناس يدعون عليهم القتل فسألهم موسى فجحدوا فاشتبه أمر القتيل على موسى
١٥٧
وكان ذلك قبل نزول القسامة في التوراة فسألوا موسى أن يدعو الله ليبين لهم بدعائه فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها فيحيا فيخبرهم بقاتله.
﴿قَالُوا﴾ كأنه قيل : فماذا صنعوا هل سارعوا إلى الامتثال أو لا فقيل : قالوا ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ أي : أتجعلنا مكان هزء وسخرية وتستهزىء بنا نسألك عن أمر القتيل وتأمرنا بذبح بقرة ولا جامع بينهما قال بعض العلماء كان ذلك هفوة منهم وجهالة فما انقادوا للطاعة وذبحها ﴿قَالَ﴾ موسى وهو استئناف كما سبق ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ لأن الهزؤ في أثناء تبليغ أمر الله جهل وسفه ودل أن الاستهزاء بأمر الدين كبيرة وكذلك بالمسلمين ومن يجب تعظيمه وأن ذلك جهل وصاحبه مستحق للوعيد وليس المزاح من الاستهزاء.
قال أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى : عنه لا بأس بفكاهة يخرج بها الإنسان من حد العبوس.
روي أنه قدم رجل إلى عبيد الله بن الحسين وهو قاضي الكوفة فمازحه عبيد الله فقال : جبتك هذه من صوف نعجة أو من صوف كبش فقال : أتجهل أيها القاضي فقال له عبيد الله وأين وجدت المزاح جهلاً فتلا هذه الآية فأعرض عنه عبيد الله لأنه رآه جاهلاً لا يعرف المزاح من الاستهزاء، ثم إن القوم علموا أن ذبح البقرة عزم من الله وجد فاستوصفوها كما يأتي ولو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم وكانت تحته حكمة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥٧


الصفحة التالية
Icon