وهم أهل الكتاب والمشركون فبين أن الذين كفروا باق على عمومه وأن المراد كلا نوعيه جميعاً والمعنى أن الكفار جميعاً لم يحبوا ﴿أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم﴾ أي : على نبيكم لأن المنزل عليه منزل على أمته ﴿مِّنْ خَيْرٍ﴾ هو قائم مقام فاعله ومن مزيدة لاستغراق الخير والخير الوحي والقرآن والنصرة ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ من لابتداء الغاية والمعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحى إليهم فيحسدونكم ويكرهون أن ينزل عليكم شيء من الوحي أما اليهود فبناء على أنهم أهل الكتاب وأبناء الأنبياء الناشئون في مهابط الوحي وأنتم أميون وأما المشركون فإدلالاً بما كان لهم من الجاه والماء زعماً منهم أن رياسة الرسالة كسائر الرياسات الدنيوية منوطة بالأسباب الظاهرة ولذا قالوا :﴿لَوْلا نُزِّلَ هَـاذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (الزخرف : ٣١) وهم كانوا يتمنون أن تكون النبوة في أحد الرجلين نعيم بن مسعود الثقفي بالطائف والوليد بن المغيرة بمكة ثم أجاب عن قول من يقول : لم لم ينزل عليهم بقوله :﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِه مَن يَشَآءُ﴾ يقال خصه بالشيء واختصه به إذا أفرده به دون غيره ومفعول من يشاء محذوف.
والرحمة النبوة والوحي والحكمة والنصرة والمعنى يفرد برحمته من يشاء إفراده بها ويجعلها مقصورة عليه لاستحقاقه الذاتي الفائض عليه بحسب إرادته عز وجل لا تتعداه إلى غيره لا يجب عليه شيء وليس لأحد عليه حق وما وقع في عبارة مشايخنا في حق بعض الأشياء أنه واجب في الحكمة يعنون به أنه ثابت متحقق لا محالة في الوجود لا يتصور أن لا يكون لا أنه يجب ذلك بإيجاب موجب ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ أي : على من يختاره بالنبوة والوحي لابتدائه بالإحسان بلا علة وهو حجة لنا على المعتزلة فإن المفضل عند الخلق هو الذي يعطي ويبذل ما ليس عليه لأن الذي يعطي ما عليه يكون قاضياً لا مفضلاً ولو كان يجب عليه فعل الأصلح لكان المناسب أن يكون ذو العدل بدل قوله ذو الفضل ثم فيه إشعار بأن إيتاء النبوة من الفضل وأن حرمان بعض عباده ليس لضيق فضله بل لمشيئته وما عرف فيه من حكمته فمن تعرض لردّ ما منّ الله به على عباده المؤمنين فقد جهل بحقيقة الأمر.
وعباد الله المخلصون قسمان : قوم أقامهم الحق لخدمته وهم العباد والزهاد وأهل الأعمال والأوراد وقوم اختصهم بمحبته وهم أهل المحبة والوداد وكل من خدمته وتحت طاعته إذ كلهم قاصد وجهه ومتوجه إليه والعبودية صفة العبد لا تفارقه ما دام حياً ومن حقائق العبودية إخراج الحسد من القلب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٧
قال بعض الحكماء : بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه :
أولها : أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.
والثاني : أنه يتسخط قسمته تعالى ويقول لربه : لو قسمت هكذا.
والثالث : أن فضل الله يؤتيه من يشاء وهو يبخل بفضله.
والرابع : أنه خذل ولي الله لأنه يريد خذلانه وزوال النعمة عنه.
والخامس : أنه أعان عدوه يعني إبليس.
واعلم أن حسدك لا ينفذ على عدوك بل على نفسك بل لو كوشفت بحالك في يقظة أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمي حجراً إلى عدوه ليصيب به مقلته فلا يصيبه بل يرجع إلى حدقته اليمنى فيقلعها فيزيد غضبه ثانياً فيعود ويرميه أشد من الأولى فيرجع على عينه اليسرى فيعميها فيزداد غضبه ثالثاً فيعود ويرميه فيرجع الحجر على رأسه فيشجه وعدوه سالم في كل حال وهو إليه راجع كرة بعد أخرى وأعداؤه حواليه يفرحون ويضحكون وهذا حال الحسود وسخرية الشياطين وقال
١٩٩