﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ وخصه عليه السلام بالخطاب مع أن غيره داخل في الخطاب أيضاً حقيقة بناء على أن المقصود من الخطاب تقرير علم المخاطب بما ذكر ولا أحد من البشر أعلم بذلك منه عليه السلام إذ قد وقف من أسرار ملكوت السموات والأرض على ما لا يطلع عليه غيره وعلم غيره بالنسبة إلى علمه عليه السلام ملحق بالعدم لأن علم الأولياء من علم الأنبياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر وعلم الأنبياء من علم نبينا محمد عليه السلام بهذه المنزلة وعلم نبينا من علم الحق سبحانه بهذه المنزلة ﴿أَنَّ اللَّهَ لَه مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو كالدليل على قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ والملك تمام القدرة واستحكامها وتخصيص السموات والأرض بالذكر وإن كان الله تعالى له ملك الدنيا والآخرة جميعاً لكونهما أعظم المصنوعة وأعجبها شأناً ﴿وَمَا لَكُم﴾ أيها المؤمنون ﴿مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ أي سوى الله وهو في حيز النصب على الحالية من الولي لأنه في الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالاً ﴿مِّنْ﴾ زائدة للاستغراق ﴿وَلِيُّ﴾ قريب وصديق وقيل وال وهو القيم بالأمور ﴿وَلا نَصِيرٍ﴾ أي : معين ومانع والفرق بين الولي والنصير أنّ الولي قد يضعف عن النصرة والنصير قد يكون أجنبياً عن المنصور والمقصود التسكين لقلوب المؤمنين بأن الله وليهم وناصرهم دون غيره فلا يجوز الاعتماد إلا عليه ولا يصح الالتجاء إلا إليه والمعنى أن قضية العلم بما ذكر من الأمور الثلاثة وهو العلم ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ والعلم ﴿أَنَّ اللَّهَ لَه مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ والعلم ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِىٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ هو الجزم والإيقان بأنه تعالى لا يفعل بهم في أمر من أمور دينهم أو دنياهم إلا ما هو خير لهم والعمل بموجبه شيء من الثقة والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه من غير إصغاء إلى أقاويل الكفرة وتشكيكاتهم التي هي من جملتها ما قالوا في أمر النسخ.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٠
﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ أم معادلة للهمزة في ألم تعلم أي : ألم تعلموا أنه مالك الأمور وقادر على الأشياء كلها يأمر وينهى كما أراد أم تعلمون وتقترحون بالسؤال كما اقترحت اليهود على موسى عليه السلام والمراد توصية المسلمين بالثقة به وترك الاقتراح عليه وهو المفاجأة بالسؤال من غير روية فكر ﴿أَن تَسْـاَلُوا﴾ وأنتم مؤمنون ﴿رَسُولَكُمْ﴾ وهو في تلك الرتبة من علو الشأن وتقترحوا عليه ما تشتهون غير واثقين بأموركم بفضل الله تعالى حسبما يوجبه قضية علمكم بشؤونه تعالى قيل : لعلهم كانوا يطلبون منه عليه السلام بيان تفاصيل الحكم الداعية إلى النسخ ﴿كَمَا سُـاـاِلَ مُوسَى﴾ مصدر تشبيهي أي : نعت لمصدر مؤكد محذوف وما مصدرية أي : سؤالاً إلا مشبهاً بسؤال موسى عليه السلام حيث قيل له : اجعل لنا إلهاً وأرنا الله جهرة وغير ذلك.
﴿مِن قَبْلِ﴾ أي : من قبل محمد صلى الله عليه وسلّم متعلق بسئل جيىء به للتأكيد.
﴿وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ﴾ أي : يختره ويأخذه لنفسه ﴿بِالايمَـانِ﴾ بمقابلته بدلاً منه وحاصله ومن يترك الثقة بالآيات البينة المنزلة بحسب المصالح التي من جملتها الآيات الناسخة التي هي خير محض وحق بحت واقترح غيرها ﴿فَقَدْ ضَلَّ﴾ أي : عدل وحار من حيث لا يدري ﴿سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾ عن الطريق المستقيم الموصل
٢٠٢
إلى معالم الحق والهدى وتاه في تيه الهوى وتردى في مهاوي الردى.
وسواء السبيل وسط الطريق السويّ الذي هو بين الغلو والتقصير وهو الحق وأكثر المفسرين على أن سبب نزول الآية أن اليهود قالوا : يا محمد ائتنا بكتاب الله جملة كما جاء موسى بالتوراة جملة فنزلت كما قال :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٢


الصفحة التالية
Icon