الاختلاف بعد عدم اعتبار البسملة اعتبار الكلمات المنفصلة كتابة أو المستقلة تلفظاً واعتبار الحروف الملفوظة أو المكتوبة أو غيرهما، وسئل عطاء أي وقت أنزلت فاتحة الكتاب؟ قال : أنزلت بمكة يوم الجمعة كرامة أكرم الله بها محمداً عليه السلام وكان معها سبعة آلاف ملك حين نزل بها جبريل على محمد عليهما السلام، روي أن عيراً قدمت من الشام لأبي جهل بمال عظيم وهي سبع فرق ورسول الله وأصحابه ينظرون إليها وأكثر الصحابة بهم جوع وعرى فخطر ببال النبي صلى الله عليه وسلّم شيء لحاجة أصحابه فنزل قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي﴾ (الحجر : ٨٧) أي : مكان سبع قوافل لأبي جهل لا ينظر إلى ما أعطيناك مع جلالة هذه العطية فلم تنظر إلى ما أعطيته من متاع الدنيا الدنية ولما علم الله أن تمنيه لم يكن لنفسه بل لأصحابه قال :﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ (النمل : ٧٠) وأمره بما يزيد نفعه على نفع المال فقال :﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الحجر : ٨٨) فإن تواضعك أطيب لقلوبهم من ظفرهم بمحبوبهم ومن فضائلها أيضاً قوله عليه السلام :"لو كانت في التوراة لما تهود قوم موسى ولو كانت في الإنجيل لما تنصر قوم عيسى ولو كانت في الزبور لما مسخ قوم داود عليهم السلام وأيما مسلم قرأها أعطاه الله من الأجر كأنما قرأ القرآن كله وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة" ومن فضائلها أيضاً أن الحروف المعجمة فيها اثنان وعشرون وأعوان النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الوحي اثنان وعشرون، وإن ليست فيها سبعة أحرف ثاء الثبور وجيم الجحيم وخاء الخوف وزاي الزقوم وشين الشقاوة وظاء الظلمة وفاء الفراق فمعتقد هذه السورة وقارئها على التعظيم والحرمة آمن من هذه الأشياء السبعة، وعن حذيفة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال :"إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتماً مقضياً فيقرأ صبي من صبيانهم في المكتب الحمدرب العالمين فيسمعه ويرفع عنهم بسببه العذاب أربعين سنة" وقد مر ما روي من إيداع علوم جميع الكتب في القرآن ثم في الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكل ومن قرأها فكأنما قرأ الكل، قال تفسير "الكبير" : والسبب أن المقصود من جميع الكتب علم الأصول والفروع والمكاشفات وقد علم اشتمالها عليها، قال الفناري وذلك لما علم أن أولها إلى قوله تعالى :﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ إشارة إلى العقائد المبدئية المتعلقة بالإلهيات ذاتاً وصفة وفعلاً لأن حصر الحمد يقتضي حصر الكمالات الذاتية والوصفية والفعلية ثم بالنبوات والولايات لأنهما أجلاء النعم أو أخصاؤها ثم إلى العقائد المعادية لكونه مالكاً للأمر كله يوم المعاد وأوسطها من قوله :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إلى أقسام الأحكام الرابطة بين الحق والعبد من العبادات وذلك ظاهر من المعاملات والمزاجر لأن الاستعانة الشرعية إما لجلب المنافع أو لدفع المضار وآخرها إلى طلب المؤمنين وجوه الهداية المرتبة على الإيمان المشار إليه في القسم الأول والإسلام المشار إليه في القسم الثاني وهي وجوه الإحسان أعني : المراتب الثلاث من الأخلاق الروحانية المحمودة ثم المراقبات المعهودة في قوله عليه السلام :"أن تعبد الله كأنك تراه" ثم الكمالات المشهودة عند الاستغراق في مطالع الجلال الرافع لكاف التشبيه الذي في ذلك الخبر والدافع لغضب تنزيه الجبر وضلال نسبة القدر وهذه هي المسماة بعلوم المكاشفات والله أعلم بأسرار كلية المبطنات.
٢٦
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢


الصفحة التالية
Icon