أي : وقفت وقيل : إن هذه الحروف ذكرت في أوائل بعض السور لتدل على أن القرآن مؤلف من الحروف التي هي "ا ب ت ث" فجاء بعضها مقطعاً وبعضها مؤلفاً ليكون إيقاظاً لمن تحدى بالقرآن وتنبيهاً لهم على أنه منتظم من عين ما ينظمون منه كلامهم فلولا أنه خارج عن طوق البشر نازل من عند خلاق القوى والقدر لأتوا بمثله هذا ما جنح إليه أهل التحقيق ولكن فيه نظر لأنه يفهم من هذا القول أن لا يكون لتلك الحروف معان وأسرار والنبي عليه السلام أوتي علم الأولين والآخرين فيحتمل أن يكون الم وسائر الحروف المقطعة من قبيل المواضعات المعميات بالحروف بين المحبين لا يطلع عليها غيرهما وقد واضعها الله تعالى مع نبيه عليه السلام في وقت لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ليتكلم بها معه على لسان جبريل عليه السلام بأسرار وحقائق لا يطلع عليها جبريل ولا غيره يدل على هذا ما روي في الأخبار أن جبريل عليه السلام لما نزل بقوله تعالى :﴿كاهيعاص﴾ (مريم : ١) فلما قال :"كاف" قال النبي عليه السلام :"علمت" فقال :"ها" فقال :"علمت" فقال "يا" فقال :"علمت" فقال :"عين" فقال :"علمت" فقال :"صاد" فقال :"علمت" فقال جبريل عليه السلام : كيف علمت ما لم أعلم؟.
وقال الشيخ الأكبر قدس سره في أول تفسير :﴿الاما * ذَالِكَ الْكِتَـابُ﴾ وأما الحروف المجهولة التي أنزلها الله تعالى في أوائل السور فسبب ذلك من أجل لغو العرب عند نزول القرآن فأنزلها سبحانه حكمة منه حتى تتوفر دواعيهم لما أنزل الله إذا سمعوا مثل هذا الذي ما عهدوه والنفوس من طبعها أن تميل إلى كل أمر غريب غير معتاد فينصتون عن اللغو ويقبلون عليها ويصغون إليها فيحصل المقصود فيما يسمعونه مما يأتي بعد هذه الحروف النازلة من عند الله تعالى وتتوفر دواعيهم للنظر في الأمر المناسب بين حروف الهجاء التي جاء بها مقطعة وبين ما يجاورها من الكلم وأبهم الأمر عليهم من عدم اطلاعهم عليها فرد الله بذلك شراً كبيراً من عنادهم وعتوهم ولغوهم كان يظهر منهم فذاك رحمة للمؤمنين وحكمة منه سبحانه انتهى كلامه.
قال بعض العارفين : كل ما قيل في شرحها بطريق النظر والاعتبار فتخمين النظر من قائله لا حقيقة إلا لمن كشف الله له عن قصده تعالى بها.
يقول الفقير جامع هذه المعارف واللطائف شكر الله مساعيه وبسط إليه من عنده أياديه قال شيخي الأكمل في هامش كتاب "اللائحات البرقيات" له بعدما ذكر بعض خواص
٢٨
الم على طريق الحقيقة : زلق في أمثال هذا المتشابه أقدام الزائغين عن العلم وتحير عقول الراسخين في العلم وبعضهم توقف تأدباً مع الله تعالى ولم يتعرض بل قالوا :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
﴿بِه كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا﴾ (آل عمران : ٧) وبعضهم تأولوا لكن بوجوه بعيدة عن المرام والمقام بعداً بعيداً إلا أنها مستحسنة شرعاً مقبولة ديناً وعقلاً وما يذكر أي : بالمقصود والمرام على ما هو عليه في نفسه في الواقع إلا أولوا الباب لكن بتذكير الله تعالى وإلهامه واطلاعه تخصيصاً لهم وتمييزاً لهم عما عداهم اختصاصاً إليها أزلياً لهم من عند الله لا بتفكر أنفسهم ونظر عقولهم بل بمحض فيض الله وإلهامه انتهى كلامه الشريف قدس سره ـ اللطيف.
وقال عبد الرحمن البسطامي قدس سره ـ مؤلف "الفواتح المسكية في بحر الوقوف" : ثم إن بعض الأنبياء علموا أسرار الحروف بالوحي الرباني والإلقاء الصمداني وبعض الأولياء بالكشف الجلي النوراني والفيض العلي الروحاني وبعض العلماء بالنقل الصحيح والعقل الرجيح وكل منهم قد أخبر أصحابه ببعض أسرارها إما بطريق الكشف والشهود أو بطريق الرسم والحدود والصحيح أن الله تعالى طوى علم أسرار الحروف عن أكثر هذه الأمة لما فيها من الحكم الإلهية والمصالح الربانية ولم يأذن للأكابر أن يعرفوا منه إلا بعض أسراره التي يشتمل عليها تركيبها الخاص المنتج أنواع التسخيرات والتأثيرات في العوالم العلويات والسفليات إلى غير ذلك انتهى كلام "بحر الوقوف".
وفي "التأويلات النجمية" حيث الصلاة التي ذكرت في القرآن ثلاث : القيامد والركوع لقوله تعالى :﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (البقرة : ٤٣) والسجود لقوله تعالى :﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾ (العلق : ١٩) فالألف في ألم إشارة إلى القيام واللام إشارة إلى الركوع والميم إشارة إلى السجود يعني من قرأ سورة الفاتحة التي هي مناجاة العبد مع الله في الصلاة التي هي معراج المؤمنين يجيبه الله تعالى بالهداية التي طلبها منه بقوله : اهدنا، ثم اعلم أن المتشابه كالمحكم من جهة أجر التلاوة لما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف" ففي الم تسع حسنات.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧


الصفحة التالية
Icon