قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" التهنئة بالشهور والأعياد مما اعتاده الناس وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رفعه "من لقي أخاه عند الانصراف من الجمعة فليقل تقبل الله منا ومنك" ويروى في جملة حقوق الجار من المرفوع "إن أصابه خير هنأه أو مصيبة عزاه أو مرض عاده".
ومن آداب الصيام حفظ الجوارح الظاهرة وحراسة الخواطر الباطنة ولن يتم التقرب إلى الله تعالى إلا بترك ما حرم الله.
قال أبو سليمان الداراني قدس سره لأن أصوم النهار وأفطر الليل عن لقمة حلال أحب إلي من قيام الليل والنهار وحرام على شمس التوحيد أن تحل قلب عبد في جوفه لقمة حرام ولا سيما في وقت الصيام فليجتنب الصائم أكل الحرام فإنه سم مهلك للدين.
والسنة تعجيل الفطور وتأخير السحور فإن صوم الليل بدعة فإذا أخر الإفطار فكأنه وجد صائماً في الليل فصار مرتكباً للبدعة كذا في "شرح عيون المذاهب".
ولنا ثلاثة أعياد : عيد الإفطار وهو عيد الطبيعة، والثاني : عيد الموت حين القبض بالإيمان الكامل وهو عيد كبير، والثالث : عيد التجلي في الآخرة وهو أكبر الأعياد وروى الترمذي وصححه عن زيد بن خالد "من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء" وكان حماد بن سلمة الإمام الحافظ يفطر في كل ليلة من شهر رمضان خمسين إنساناً وإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوباً ثوباً وكان يعد من الأبدال.
وأخرج السيوطي في "الجامع الصغير" والسخاوي في "المقاصد" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال عليه السلام :"خيار أمتي في كل قرن خمسمائة والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً آخر" قالوا : يا رسول الله دلنا على أعمالهم قال عليه السلام :"يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساءهم ويتواسون فيما آتاهم الله" وفي الحديث "من أشبع جائعاً أو كسا عارياً أو آوى مسافراً أعاذه الله من أهوال يوم القيامة" وكان عبد الله بن المبارك ينفق على الفقراء وطلبة العلم في كل سنة مائة ألف درهم ويقول للفضيل بن عياض : لولاك وأصحابك ما اتجرت وكان يقول للفضيل وأصحابه : لا تشتغلوا بطلب الدنيا اشتغلوا بالعلم وأنا أكفيكم المؤونة.
وكان يحيى البرمكي يجري على سفيان الثوري كل شهر ألف درهم وكان سفيان يدعو له في سجوده ويقول : اللهم إن يحيى كفاني أمر الدنيا
٢٩٥
فاكفه أمر آخرته فلما مات يحيى رآه بعض أصحابه في النوم فقال : ما صنع الله بك قال : غفر لي بدعاء سفيان، قال الصائب :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٢
تيره روزان جهانرا براغي درياب
تاس ازمرك ترا شمع مزاري باشد
جعلنا الله وإياكم من العاملين بمقتضى كتابه ومدلول خطابه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٢
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن الله تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر عقبه بهذه الآية الدالة على أنه تعالى خبير بأحوالهم مطلع على ذكرهم وشكرهم سميع بأقوالهم مجيب لدعائهم مجازيهم على أعمالهم تأكيداً له وحثاً عليه.
وسبب النزول ما روي أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فقال تعالى إيماء إلى سرعة إجابة الدعاء منهم إذا سألك عبادي عني ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ أي : فقل لهم إني قريب بالعلم والإحاطة فهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم فيكون لفظ قريب استعارة تبعية تمثيلية وإنما لم يحمل على القرب الحقيقي وهو القرب المكاني لأنه ممتنع في حقه تعالى لأنه لو كان في مكان لما كان قريباً من الكل فإن من كان قريباً من حملة العرش يكون بعيداً من أهل الأرض ومن كان قريباً من أهل المشرق يكون بعيداً من أهل المغرب وبالعكس، قال أبو موسى الأشعري لما توجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى خيبر أشرف الناس على وادٍ فرفعوا أصواتهم بالتكبير لا إله إلا الله والله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم" وهذا باعتبار المشارب والمقامات واللائق بحال أهل الغفلات الجهر لقلع الخواطر كما أن المناسب لأهل الحضور الحفاء، قال السعدي :
دوست نزديكتر ازمن بمنست
وين عجبتركه من ازوى دورم
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٦