ومن أيقن أن الموت آت فلا يستعد له ومن أيقن أن القبر منزله فلا يعمره ومن أيقن أن الديان يحاسبه فلا يصحح حجته ومن أيقن أن الصراط ممره فلا يخفف ثقله ومن أيقن أن النار دار الفجار فلا يهرب منها ومن أيقن أن الجنة دار الأبرار فلا يعمل لها كما في "التيسير".
قال ذو النون المصري : اليقين داع إلى قصر الأمل وقصر الأمل يدعو إلى الزهد والزهد يورث الحكمة والحكمة تورث النظر في العواقب.
قال أبو علي الدقاق ـ رحمه الله ـ في قول النبي عليه السلام في عيسى ابن مريم عليهما السلام :"لو لم يزدد يقيناً ما مشى في الهواء" أشار بهذا الحديث إلى حال نفسه صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج لأن في لطائف المعراج أنه قال : رأيت البراق قد بقي ومشيت.
وقال أبو تراب : رأيت غلاماً في البادية يمشي بلا زاد فقلت : إن لم يكن معه يقين فقد هلك فقلت : يا غلام أتمشي في مثل هذا الموضع بلا زاد؟ فقال : يا شيخ ارفع رأسك هل ترى غير الله تعالى؟ فقلت : الآن فاذهب حيث شئت.
قال إبراهيم الخواص : طلبت المعاش لآكل الحلال فاصطدت السمك فيوماً وقع في الشبكة سمكة فأخرجتها وطرحت الشبكة في الماء فوقعت أخرى فيها ثم عدت فهتف بي هاتف لم تجد معاشاً إلا أن تأتي إلى من يذكر الله فتقتلهم فكسرت القصبة وتركت كذا في "الرسالة القشيرية".
وذكر في "التأويلات النجمية" أن من تخلص من ذل الحجاب الوجودي يجد عزة الإيقان بالأمور الأخروية وكان مؤمناً بها من وراء الحجاب فصار موقناً بها بعد رفع الحجاب كما قال أمير المؤمنين على كرم الله وجه لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً لأن من كشف عنه غطاء الوجود لا يحجبه غطاء المحسوسات الدنيوية عن الأمور الأخروية فبكشف الححب يتخلصون من مرتبة الإيمان إلى مرتبة الإيقان كما قال تعالى :﴿وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ ولكن هذا خاص أي : يوقنون بالآخرة دون ما أنزل على الأنبياء من الكتب فإنهم لا يتخلصون من مرتبة الإيمان بالله وكتبه أبداً وهذا سر عظيم وما رأيت أحداً فرق بين هاتين المرتبتين وذلك لأنه لا يمكن للإنسان أن يشاهد الأمور الأخروية كلها بطريق الكشف في الدنيا وأما بطريق المشاهدة في العقبى فيصير موقناً بها بعدما كان مؤمناً كما قال تعالى :﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ (ق : ٢٢) فأما ما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته فلا يمكن لأحد أن يشاهده بالكلية لأنه منزه عن الكل والجزء فأرباب المشاهدة وإن فازوا بشهادة شهود صفات جماله وجلاله عين اليقين بل حق اليقين ولكن لم يتخلصوا من مرتبة الإيمان بما لم يشاهدوا بعد ولا يحيطون به علماً إلى أبد الآباد بل ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
﴿أُولَئِكَ﴾ الجملة في محل الرفع أن جعل أحد الموصولين مفصولاً
٤٢