فالله تعالى من كمال فضله وكرمه مع عباده خلق أنفسهم وملكهم الأموال ثم اشترى منهم أنفسهم وأموالهم ثم ردها إليهم بالعادية ثم أكرمهم فيها بالاستقراض منهم ثم بشر بأضعاف كثيرة عليها فالعبد الصادق لا يطلب إلا على قدر همته ولا يريد العوض مما أعطاه إلا ذاته تعالى فيعطيه الله ما هو مطلوبه على قدر همته ويضاعف له مع مطلوبه ما أخفى لهم من قرة أعين أضعافاً كثيرة على قدر كرمه فمن يكون له متاع الدنيا بأسره قليلاً فانظر ما يكون له كثيراً اللهم متعنا بما ألهمت قلوب أوليائك واجعلنا من الذين قصروا أعينهم على استطلاع أنوار لقائك.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٨
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أي : ألم ينتهِ علمك ﴿إِلَى﴾ قصة ﴿الْمَلا﴾ أي : قد علمت خبرهم بإعلامي إياك فتعجب.
الملأ : جماعة يجتمعون للتشاور سموا بذلك لأنهم أشراف يملؤون العيون مهابة والمجالس بهاءة لا واحد له من لفظه كالقوم ﴿مِنا بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ من للتبعيض حال من الملأ أي : كائنين بعض بني إسرائيل وهم أولاد يعقوب ﴿مِّنْ﴾ ابتدائية متعلقة بما تعلق به الجار الأول ﴿بَعْدَ﴾ وفاة ﴿مُوسَى إِذْ قَالُوا﴾ منصوب بالمضاف المقدر في الملأ أي : ألم تر إلى قصة الملأ أو حديثهم حين قالوا لأن الذوات لا يتعجب منها وإنما يتعجب من أحوالها ﴿لِنَبِىٍّ لَّهُمُ﴾ اشمويل وهو الأشهر الأظهر ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا﴾ أي : أقم وانصب لنا سلطاناً يتقدمنا ويحكم علينا في تدبير الحرب ونطيع لأمره ﴿نُّقَـاتِلْ﴾ معه وهو بالجزم على الجواب ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ طلبوا من نبيهم ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من التأمير على الجيوش التي كان يجهزها ومن أمرهم بطاعته وامتثال أوامره.
ـ وروي ـ أنه أمر الناس إذا سافروا أن يجعلوا أحدهم أميراً عليهم ﴿قَالَ﴾ كأنه قيل فماذا قال لهم النبي حينئذٍ فقيل قال :﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ قاربتم ﴿إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ مع الملك شرط معترض بين عسى وخبره وهو قوله :﴿أَلا تُقَـاتِلُوا﴾ معه.
قال في "الكشاف" : والمعنى هل قاربتم أن لا تقاتلوا يعني هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون أراد أن يقول
٣٨١
عسيتم أن لا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل هل مستفهماً عما هو متوقع عنده وأنه صائب في توقعه كقوله تعالى :﴿هَلْ أَتَى عَلَى الانسَـانِ﴾ (الإنسان : ١) معناه التقرير ﴿قَالُوا وَمَا﴾ مبتدأ وهو استفهام إنكاري خبره قوله :﴿لَنَآ﴾ في ﴿أَلا نُقَـاتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي : أي سبب وغرض لنا في ترك القتال ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَـارِنَا وَأَبْنَآاـاِنَا﴾ أي : والحال أنه قد عرض لنا ما يوجب القتال إيجاباً قوياً من الإخراج من الديار والأوطان والاغتراب عن الأهل والأولاد وأفراد الأبناء بالذكر لمزيد تقوية أسباب القتال قال بعضهم وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا جلاء وأسراً ومثله يذكر اتباعاً نحو :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨١
وزججن الحواجب والعيونا†