وقيل : تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه أو جرم ثقيل مذاب مفرغ من الأجزاء اللطيفة الأرضية الصاعدة المسماة دخاناً والمائية المسماة بخاراً حار حاد في غاية الحدة والحرارة لا يقع على شيء إلا ثقب وأحرق ونفذ في الأرض حتى بلغ الماء فانطفأ ووقف.
قالوا : إذا أشرقت الشمس على أرض يابسة تحللت منها أجزاء نارية يخالطها أجزاء أرضية يسمى المركب منهما دخاناً ويخلط بالبخار ويتصاعدان معاً إلى الطبقة الباردة فينعقد البخار سحاباً وينحبس الدخان فيه ويطلب الصعود إن بقي على طبيعته والنزول إن ثقل وكيف كان يمزق السحاب تمزيقاً عنيفاً فيحدث منه الرعد ثم قد يحدث شدة حركة ومحاكة فيحدث منه البرق إن كان لطيفاً والصاعقة إن كان غليظاً قال ابن عباس رضي الله عنهما من سمع صوت الرعد فقال : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلي ديته وكان صلى الله عليه وسلّم يقول إذا سمع الرعد وصواعقه :"اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك" كذا في "تفسير الشيخ" و"شرح الشرعة" ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ منصوب بيجعلون على العلة أي : لأجل مخافة الهلاك والموت فساد بنية الحيوان ﴿وَاللَّهُ مُحِيطُ﴾ أصل الإحاطة الاحداق بالشيء من جميع جهاته وهو مجاز في حقه تعالى أي : محدق بعلمه وقدرته ﴿بِالْكَافِرِينَ﴾ أي : لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط حقيقة فيحشرهم يوم القيامة ويعذبهم والجملة اعتراضية منبهة على أن ما صنعوا من سد الآذان بالأصابع لا يغني عنهم شيئاً فإن القدر لا يدافعه الحذر والحيل لا ترد بأس الله عز وجل وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع إلى أصحاب الصيب الإيذان بأن ما دهمهم من الأمور الهائلة المحكية بسبب كفرهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٦
﴿يَكَادُ الْبَرْقُ﴾ أي : يقرب استئناف آخر وقع جواباً عن سؤال مقدر كأنه قيل فكيف حالهم مع ذلك البرق فقيل : يكاد ذلك ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ أي : يختلسها ويستلبها بسرعة من شدة ضوئه ﴿كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم﴾ كلما ظرف والعامل فيه جوابها وهو مشوا وأضاء متعد أي : أنار البرق الطريق في الليلة المظلمة
٧١
وهو استئناف ثالث كأنه قيل كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته أيفعلون بأبصارهم ما يفعلون بآذانهم أم لا؟ فقيل كلما نور البرق لهم ممشى ومسلكاً ﴿مَّشَوْا فِيهِ﴾ أي : في ذلك المسلك أي : في مطرح نوره خطوات يسيرة مع خوف أن يخطف أبصارهم وإيثار المشي على ما فوقه من السعي والعدو للإشعار بعدم استطاعتهم لهما لكمال دهشتهم ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ﴾ أي : خفي البرق واستتر فصار الطريق مظلماً.
﴿قَامُوا﴾ أي : وقفوا في أماكنهم على ما كانوا عليه من الهيئة متحيرين مترصدين لحظة أخرى عسى يتسنى لهم الوصول إلى المقصد أو الالتجاء إلى ملجأ يعصمهم.
﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ﴾ مفعوله محذوف أي : لو أراد أن يذهب الأسماع التي في الرأس والأبصار التي في العين كما ذهب بسمع قلوبهم وأبصارهم ﴿لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ بصوت الرعد ونور البرق عقوبة لهم لأنه لا يعجز عن ذلك ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي : على كل موجود بالإمكان والله تعالى وإن كان يطلق عليه الشيء لكنه موجود بالوجوب دون الإمكان فلا يشك العاقل أن المراد من الشيء في أمثال هذا ما سواه تعالى فالله تعالى مستثنى في الآية مما يتناوله لفظ الشيء بدلالة العقل فالمعنى على كل شيء سواه قدير كما يقال فلان أمين على معنى أمين على من سواه من الناس ولا يدخل فيه نفسه وإن كان من جملتهم كما في "حواشي ابن التمجيد".
﴿قَدِيرٌ﴾
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧١


الصفحة التالية
Icon