قاله لما طلب منه الهدية حين طلع مبشرات الحقيقة فلما عرض تلك الهدية قيل : ادخل جئت بهدية عظمى وحصل الاستحقاق للدخول.
وفي "التأويلات النجمية" :
﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ الإشارة في تحقيق الآيتين إنه تعالى خاطب ناسى عهود يوم الميثاق والإقرار بربوبيته ومعاهدته أن لا تعبدوا إلا إياه فخالفوه ونقضوا عهده وعبدوا الطواغيت من الأصنام والدنيا والنفس والهوى والشيطان فزل قدمهم عن جادة التوحيد ووقعوا في ورطة الشرك والهلاك فبعث إليهم الرسول وكتب إليه الكتاب وأخبرهم عن النسيان والشرك ودعاهم إلى التوحيد والعبودية وقال :﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ (البقرة : ٢١) يعني ذراتكم وذرات من قبلكم يوم الميثاق وأخذ مواثيقكم بالربوبية والتوحيد والعبادة فأوفوا بعهد العبودية بتوحيد اللسان وتجريد القلب وتفريد السر وتزكية النفس بترك المحظورات وإقامة الطاعات المأمورات ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ عن شرك عبادة غير الله فيوفى الله بعهد الربوبية بالنجاة من الدركات ورفع الدرجات بالجنان والإكرام بالقربات والكرامات في الآخرة كما أكرمكم في الدنيا ﴿الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَآءَ بِنَآءً﴾ فيه إشارة إلى تعريفه بالقدرة الكاملة ومنته على عباده وفضيلتهم عنده على جميع المخلوقات أما تعريف نفسه بالقدرة الكاملة فقوله تعالى :﴿الَّذِى جَعَلَ﴾ وأما منته على عباده فقوله تعالى :﴿لَكُمُ الارْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَآءَ بِنَآءً﴾ أي : خلق هذه الأشياء لكم خاصة وأما فضيلتهم على جميع المخلوقات بأن خلق السموات والأرض وما فيهما لأجلهم وسخره لهم لقوله تعالى :﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾ (الجاثية : ١٣) فكان وجود السموات والأرض تبعاً لوجودهم وما كان وجوده تبعاً لوجود شيء لا يكون مقصوداً وجوده لذاته ولهذا السر أمر الله تعالى ملائكته بسجود آدم عليه السلام وحرم على آدم وأولاده سجود غير الله ليظهر أن الملائكة وإن كانوا قبل وجود آدم أفضل الموجودات فلما خلق آدم وجعله مسجوداً لهم كان هو أفضل المخلوقات وأكرمهم على الله تعالى ومتبوع كل شيء والكل تابع له ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِه مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ﴾ تحقيقه أن الماء هو القرآن وثمراته الهدى والتقى والنور والرحمة والشفاء والبركة واليمن والسعادة والقربة والحق اليقين والنجاة والرفعة والصلاح والفلاح والحكمة والحلم والعلم والآداب والأخلاق والعزة والغنى والتمسك بالعروة الوثقى والاعتصام بحبل الله المتين وجماع كل خير وختام كل سعادة وزهوق باطل الوجود الإنساني عند مجيء تجليات حقيقة الصفات الربانية كقوله تعالى :﴿وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُا إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء : ٨١) فأخرج بماء القرآن هذه الثمرات من أرض قلوب عباده فكما أن الله تعالى منّ على عباده بإخراج الثمرات رزقاً لكم وكان للحيوانات فيها رزق ولكن بتبعية الإنسان وهذا مما لا تدركه العقول المشوبة بالوهم والخيال بل تدركه العقول المؤيدة بتأييد الفضل والنوال ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا﴾ فيه ثلاثة
٧٨
معان :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٤
أولها : إن هذا الذي جعلت لكم من خلق أنفسكم وخلق السموات والأرض وما فيها لكم ليس من شأن أحد غيري ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فلا تجعلوا لي أنداداً في العبودية.
وثانيها : إني جعلت السموات والأرض والشمس والقمر كلها واسطة أرزاقكم وأسبابها وأنا الرزاق فلا تجعلوا الوسائط أنداداً لي فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر الآية.
وثالثها : إني خلقت الموجودات وجعلت لكل شيء حظاً في شيء آخر وجعلت حظ الإنسان في محبتي ومعرفتي وكل محظوظ لو انقطع عنه حظه لهلك فلا تنقطعوا عن حظوظكم من محبتي ومعرفتي بأن تجعلوا لي أنداداً تحبونهم كحبي فتهلكوا في أودية الشرك يدل عليه قوله تعالى :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ (البقرة : ١٦٥) فالأنداد هي الأحباب غير الله ثم وصف الذين لم ينقطعوا عن حظ محبته بالإيمان وقال :﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا﴾ (البقرة : ١٦٥) يعني الذين اتخذوا من دون الله آلهة في المحبة ما آمنوا حقيقة وإن زعموا أنا آمنا فافهم جداً ولا تغتر بالإيمان التقليدي الموروث حتى يصح على هذا المحل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٤
﴿وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ أي : في شك من القرآن الذي نزلناه على محمد صلى الله عليه وسلّم في كونه وحياً منزلاً من عند الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon