جزء : ١ رقم الصفحة : ٨١
﴿وَأُتُوا بِهِ﴾ أي : جيئوا بذلك الرزق أو المرزوق في الدنيا والآخرة جميعاً فالضمير إلى ما دل عليه فحوى الكلام مما رزقوا في الدارين ونظيره قوله تعالى :﴿إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ (النساء : ١٣٥) أي : بجنس الغني والفقير ﴿مُتَشَابِهًا﴾ في اللون والجودة فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك أجود وألذ، يعني : لا يكون فيها رديء.
وعن مسروق نحل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها أي : منضود بعضها على بعض، أي : متراكب ومجتمع ليس كأشجار الدنيا متفرقة أغصانها وثمرتها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى والعنقود اثنا عشر ذراعاً ولو اجتمع الخلائق
٨٣
على عنقود لأشبعهم وجاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون فقال :"نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع" قال : فإن الذي يأكل له حاجة والجنة طيبة ليس فيها أذى قال عليه السلام :"حاجة أحدهم عرق كريح المسك" ﴿وَلَهُمْ فِيهَآ﴾ أي : في الجنة ﴿أَزْوَاجٌ﴾ أي : نساء وحور ﴿مُّطَهَّرَةٌ﴾ مهذبة من الأحوال المستقذرة كالحيض والنفاس والبول والغائط والمني والمخاط والبلغم والورم والدرن والصداع وسائر الأوجاع والولادة ودنس الطبع وسوء الخلق وميل الطبع إلى غير الأزواج وغير ذلك.
ومطهرة أبلغ من طاهرة ومتطهرة للإشعار بأن مطهراً طهرهن وما هو إلا الله سبحانه وتعالى.
قال الحسن هن عجائزكم العمص العمش طهرن من قاذورات الدنيا وعن ابن عباس رضي الله عنهما خلق الحور العين من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب أي : الأبيض ومن عنقها إلى رأسها من الكافور إذا أقبلت يتلألأ نور وجهها كما يتلألأ نور الشمس لأهل الدنيا ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي : دائمون أحياء لا يموتون ولا يخرجون منها.
قال عكرمة : أهل الجنة ولد ثلاث وثلاثين سنة رجالهم ونساؤهم وقامتهم ستون ذراعاً على قامة أبيهم آدم شباب جرد مرد مكحلون عليهم سبعون حلة تتلون كل حلة في كل ساعة سبعين لوناً لا يبزقون ولا يمتخطون وما كان فوق ذلك من الأذى فهو أبعد يزدادون كل يوم جمالاً وحسناً كما يزداد أهل الدنيا هرماً وضعفاً لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨١
واعلم أن معظم اللذات الحسية لما كان مقصوراً على المساكن والمطاعم والمناكح حسبما يقضي به الاستقراء وكان ملاك جميع ذلك الدوام والثبات إذ كل نعمة وإن جلت حيث كانت في شرف الزوال ومعرض الاضمحلال فإنها منغصة غير صافية من شوائب الألم بشر المؤمنين بها وبدوامها تكميلاً للبهجة والسرور.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ﴾ أي : يحصل لهم جنات القربة معجلة من بذر الإيمان الحقيقي.
وأعمالهم القلبية الصالحة والروحية والسرية بالتوحيد والتجريد والتفريد من أشجار التوكل واليقين والزهد والورع والتقوى والصدق والإخلاص والهدى والقناعة والعفة والمروءة والفتوة والمجاهدة والمكابدة والشوق والذوق والرغبة والرهبة والخوف والخشية والرجاء والصفاء والوفاء والطلب والإرادة والمحبة والحياء والكرم والسخاوة والشجاعة والعلم والمعرفة والعزة والرفعة والقدرة والحلم والعفو والرحمة والهمة العالية وغيرها من المقامات والأخلاق تجري من تحتها مياه العناية والتوفيق والرأفة والعطفة والفضل.
﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا﴾ من هذه الأشجار.
﴿مِن ثَمَرَةٍ﴾ من ثمرات المشاهدات والمكاشفات والمعاينات.
﴿رِّزْقًا﴾ أي : عطفاً وصحة وعطية.
﴿قَالُوا هَاذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ وذلك لأن أصحاب المشاهدات يشاهدون أحوالاً شتى في صورة واحدة من ثمرات مجاهداتهم فيظن بعضهم من المتوسطين أن هذا المشاهد هو الذي يشاهده قبل هذا فتكون الصورة تلك الصورة ولكن المعنى هو حقيقة أخرى مثاله يشاهد السالك نوراً في صورة نار كما شاهد موسى عليه السلام نور الهداية في صورة نار كما قال : إني آنست ناراً فتكون تارة تلك
٨٤