قال بعض المفسرين : علم الله آدم ألف حرفة من المكاسب ثم قال : قل لأولادك إن أردتم الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين وأحكام الشرائع وكان آدم حراثاً أي : زراعاً ونوح نجاراً وإدريس خياطاً وصالح تاجراً وداود زراداً وسليمان كان يعمل الزنبيل في سلطنته ويأكل من ثمنه ولا يأكل من بيت المال وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة وكان أكثر عمله صلى الله تعالى عليه وسلم في البيت الخياطة.
وفي الحديث "عمل الأبرار من الرجال الخياطة وعمل الأبرار من النساء الغزل" كذا في "روضة الأخيار" وقال العلماء الأسماء في قوله تعالى :﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاسْمَآءَ﴾
١٠٠
تقتضي الاستغراق واقتران قوله كلها يوجب الشمول فكما علمه أسماء المخلوقات علمه أسماء الحق تعالى فإذا كان تخصيصه بمعرفة أسماء المخلوقات يقتضي أن يصح سجود الملائكة له فما الظن بتخصيصه بمعرفة أسماء الحق وما الذي يوجب له ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾ أي : عرضها أي : المسميات وإنما ذكر الضمير لأن في المسميات العقلاء فغلبهم والعرض إظهار الشيء للغير ليعرف العارض منه حاله.
وفي الحديث "أنه عرضهم أمثال الذر" ولعله عز وجل عرض عليهم من أفراد كل نوع ما يصلح أن يكون أنموذجاً يتعرف منه أحوال البقية وأحكامها والحكمة في التعليم والعرض تشريف آدم واصطفاؤه وإظهاره الأسرار والعلوم المكنونة في غيب علمه تعالى على لسان من يشاء من عباده وهو المعلم المكرم آدم الصفي كيلا يحتج الملك وغيره بعلمه ومعرفته وذلك رحمة الله التي وسعت كل شيء.
﴿فَقَالَ﴾ الله عز وجل تبكيتاً وتعجيزاً للملائكة وخطاب التعجيز جائز وهو الأمر بإتيان الشيء ولم يكن إتيانه مراداً ليظهر عجز المخاطب وإن كان ذلك محالاً كالأمر بإحياء الصورة التي يفعلها المصورون يوم القيامة ليظهر عجزهم ويحصل لهم الندم ولا ينفعهم الندم ﴿أَنابِئُونِى﴾ أي : أخبروني ﴿بِأَسْمَآءِ هَاؤُلاءِ﴾ الموجودات ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة ممن استخلفته كما ينبىء عنه مقالكم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٩٢
ويقال : هذه الآية دليل على أن أولى الأشياء بعد علم التوحيد تعلم علم اللغة لأنه تعالى أراهم فضل آدم بعلم اللغة.
ودلت أيضاً على أن المدعي يطالب بالحجة فإن الملائكة ادعوا الفضل فطولبوا بالبرهان وبحثوا عن الغيب فقرعوا بالعيان أي : لا تعلمون أسماء ما تعاينون فكيف تتكلمون في فساد من لا تعاينون فيا أرباب الدعاوى أين المعاني ويا أرباب المعرفة أين المحبة ويا أرباب المحبة أين الطاعة.
قال أبو بكر الواسطي : من المحال أن يعرفه العبد ثم لا يحبه ومن المحال أن يحبه ثم لا يذكره ومن المحال أن يذكره ثم لا يجد حلاوة ذكره ومن المحال أن يجد حلاوة ذكره ثم يشتغل بغيره.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٩٢
﴿قَالُوا﴾ استئناف واقع موقع الجواب كأنه قيل فماذا قالوا حينئذٍ هل خرجوا من عهدة ما كلفوه أو لا؟ فقال : قالوا ﴿سُبْحَانَكَ﴾ أي : نسبحك عما لا يليق بشأنك الأقدس من الأمور التي من جملتها خلو أفعالك من الحكم والمصالح وهي كلمة تقدم على التوبة قال موسى عليه السلام :﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ (الأعراف : ١٤٣) وقال يونس :﴿سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (الأنبياء : ٨٧) وسبحان اسم واقع موقع المصدر لا يكاد يستعمل إلا مضافاً فإذا أفرد عن الإضافة كان إسماً علماً للتسبيح لا ينصرف للتعريف والألف والنون في آخرها.
﴿لا عِلْمَ لَنَآ إِلا مَا عَلَّمْتَنَآ﴾ اعتراف منهم بالعجز عما كلفوه وإشعار بأن سؤالهم كان استفساراً ولم يكن اعتراضاً ؛ إذ معناه لا علم لنا إلا ما علمتنا بحسب قابليتنا من العلوم المناسبة لعالمنا ولا قدرة لنا على ما هو خارج عن دائرة استعدادنا حتى لو كنا مستعدين لذلك لأفضته علينا وما مصدرية أي : إلا علماً علمتناه ومحله رفع بدل من موضع لا علم كقولك لا إله إلا الله ﴿إِنَّكَ أَنتَ﴾ ضمير فصل لا محل له من الإعراب.
﴿الْعَلِيمُ﴾ الذي لا يخفى عليه خافية وهذه إشارة إلى تحقيقهم لقوله تعالى :﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ ﴿الْحَكِيمُ﴾ المحكم لمبتدعاته والذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة.
وأفادت الآية أن العبد ينبغي له أن لا يغفل عن نقصانه وعن فضل الله وإحسانه ولا يأنف أن يقول لا أعلم فيما لا يعلم ولا يكتم فيما يعلم.
وقالوا : لا أدري
١٠١
نصف العلم وسئل أبو يوسف القاضي عن مسألة فقال : لا أدري فقالوا له ترتزق من بيت المال كل يوم كذا كذا ثم تقول لا أدري فقال : إنما أرتزق بقدر علمي ولو أعطيت بقدر جهلي لم يسعني مال الدنيا ـ وحكي ـ أن عالماً سئل عن مسألة وهو فوق المنبر فقال : لا أدري فقيل له : ليس المنبر موضع الجهال فقال : إنما علوت بقدر علمي ولو علوت بقدر جهلي لبلغت السماء.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠١