كه صفا زايد ز طاعت سينه را ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾ أي : أذهب آدم وحواء وأبعدهما عن الجنة يقال زال عني كذا إذا ذهب والإزلال والزلة بالفتح الخطأ وهو الزوال عن الصواب من غير قصد والمقصود حملهما على الزلة بطريق التسبب وهو بالوسوسة والغرور والدعاء.
فإن قلت : إبليس كافر والكافر لا يدخل الجنة فكيف دخل هو؟ قلت : منع من الدخول على وجه التكرمة كما يدخلها الملائكة ولم يمنع من الدخول للوسوسة ابتلاء لآدم وحواء
١٠٨
﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ من النعيم والكرامة ولم يقصد إبليس إخراج آدم من الجنة وإنما قصد إسقاطه من مرتبته وإبعاده كما أبعد فلم يبلغ مقصده قال الله تعالى :﴿فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ (طه : ١٢٢) قال الشيخ صدر الدين قدس سره في "الفكوك" لما سمع آدم قول إبليس :﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ (الأعراف : ٢٠) صدقه هو وزوجته.
وهذه القضية تشتمل على أمرين مشكلين : لم أر أحداً تنبه لهما ولا أجابني أحد من أهل العلم الظاهر والباطن عنهما وهو أنه عليه السلام بعد سجود الملائكة له بأجمعهم ومشاهدة رجحانه عليهم بذلك وبعلم الأسماء والخلافة ووصية الحق له كيف أقدم على المخالفة وتسوف بقول إبليس إلا أن تكونا ملكين وكيف لم يعلم أيضاً أن من دخل الجنة المعرفة بلسان الشريعة لم يخرج منها وأن النشأة الجنانية لا تقبل الكون والفساد فهي لذاتها تقتضي الخلود وكأن هذه الحال تدل دلالة واضحة على أن الجنة التي كان فيها ليست الجنة التي عرضها السموات والأرض والتي أرضها الكرسي الذي هو الفلك الثامن وسقفها عرش الرحمن فإن تلك الجنة لا يخفى على من دخلها أنها ليست محل الكون والفساد ولا أن يكون نعيمها موقتاً ممكن الانقطاع فإن ذلك المقام يعطي بذاته معرفة ما تقتضيه حقيقته وهو عدم انقطاع نعيمها بموت أو غيره كما قال الله تعالى :﴿عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ (هود : ١٠٨) أي : غير منقطع ولامتناه فافهم فحال آدم وحواء في هذه القضية كحال بني إسرائيل الذين قال الله في حقهم :﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌا اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ﴾ (البقرة : ٦١) الآية ولهذه المناسبة والمشاركة أردف الحق قصة آدم في سورة البقرة بقصة موسى وبني إسرائيل مع ما بينهما من طول المدة فراعى سبحانه في ذلك المضاهاة في الفعل والحال دون الزمان لهذا من أسرار القرآن انتهى كلام الشيخ.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٣
فإن قلت : ما الحكمة في أن الله تعالى لم يخلق الإنسان في الجنة ابتداء ولم ابتلاه بالخروج إلى الدنيا؟ قلت : تعظيم النعم على العباد واجب فلو لم يخلقوا في الدنيا ابتداء ما عرفوا قدر الجنة وقيل : ليكونوا في الجنة على الجزاء لا على الابتداء وليأمنوا الزوال وقيل : خلقنا في الدنيا ليميز الله الخبيث من الطيب والمطيع من المخالف لاقتضاء الصفات الجلالية لأن الجنان ليست من مظاهر الجلال ولو خلقنا وبقينا في الجنة لما ظهر فينا صفات الجلال كما لم تظهر في الملك فالحكمة الإلهية اقتضت خلق الإنسان في الدنيا وظهور المخالفة منه ليظهر فيه الرحمة والغفران فلو بقي آدم في الجنة لفاته نصف الكمال الذي هو التجليات القهرية فخرج ليتحقق بمظاهر أسماء الجمال والجلال ثم يرد إلى عالم الجنان كاملاً مكملاً بأنواع الفضائل والكمالات والمقصود أيضاً كما سبق تميز الخبيث من الطيب وقد قدر الله تعالى أن يخرج من صلبه سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وسلم وإخوانه من الأنبياء والأولياء والمؤمنين وخمر طينته بتراب كل مؤمن وعدو فأخرجه إلى الدنيا ليخرج من ظهره الذين لا نصيب لهم في الجنة.
قال الشيخ الكامل المكمل علي رده في هامش "كشف الكنوز وحل الرموز" وهو كتاب فريد في فنه وجدت تذكرة السؤال من بعض الملاحدة على كرسي سيدي ابن نور الدين في مجلس وعظ بجامع أيا صوفية من كلام خواجه حافظ شيرازي :
من ملك بودم وفردوس برين جايم بود
آدم آورد درين دير خراب آبادم
١٠٩