وفي "التيسير" : يجوز صرف الخطاب إلى المسلمين وإلى كل صنف منهم وبيانه أيها السلاطين لا تخلطوا العدل بالجور وأيها القضاة لا تخلطوا الحكم بالرشوة وكذا كل فريق.
فهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول من فعل فعلهم فمن أخذ رشوة على تغيير حق وإبطاله وامتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداء ما علمه وقد تعين عليه حتى يأخذ عليه أجراً فقد دخل في مقتضى الآية قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"من تعلم علماً لا يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" أي : ريحها فمن رهب وصاحب التقوى لا يأخذ على علمه عوضاً ولا على وصيته ونصيحته صفداً بل يبين الحق ويصدع به ولا يلحقه في ذلك خوف ولا فزع قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"لا يمنعن أحدكم هيبة أحد أن يقول أو يقوم بالحق حيث كان" وفي التنزيل :﴿يُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لا ـاِمٍ﴾ (المائدة : ٥٤) ـ حكي ـ أن سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة وهو يريد مكة فأقام بها أياماً فقال : هل بالمدينة أحد أدرك أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم قالوا له أبو حازم فأرسل إليه فلما دخل عليه قال له : يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قال له أبو حازم : يا أمير المؤمنين وأي جفاء رأيت مني؟ قال : أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني قال : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك قال : فالتفت إلى محمد بن شهاب الزهري فقال : أصاب الشيخ وأخطأت قال سليمان : يا أبا حازم ما لنا نكره الموت فقال : لأنكم خربتم الآخرة وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب قال : أصبت يا أبا حازم فكيف القدوم غداً على الله تعالى قال : أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه فبكى سليمان وقال : ليت شعري ما لنا عند الله قال : اعرض عملك على كتاب الله قال : وأي مكان أجده قال :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١١٩
﴿إِنَّ الابْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ﴾ (الانشقاق : ١٣ ـ ١٤) قال سليمان : فأين رحمة الله يا أبا حازم قال :﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف : ٥٦) قال له سليمان : يا أبا حازم فأي عباد الله أكرم؟ قال : أولوا المروة والنهي قال له سليمان : فأي الأعمال أفضل؟ قال : أداء الفرائض مع اجتناب المحارم قال سليمان : فأي الدعاء أسمع؟ قال : دعاء المحسن إليه للمحسن فقال : أي الصدقة أفضل؟ قال : على
١١٩


الصفحة التالية
Icon