﴿سَأَلَ سَآاـاِلُا بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ من السؤال بمعنى الدعاء والطلب يقال دعا بكذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى :[الدخان : ٥٥-١٢]﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَـاكِهَةٍ﴾ أي يطلبون في الجنة كل فاكهة والمعنى دعا داع بعذاب واقع نازل لا حالة سواء طلبه أو لم يطلبه أي استدعاه وطلبه ومن التوسعات الشائعة في لسان العرب حمل النظير على النظير وحمل النقيض على النقيض فتعدية سأل بالباء من قبيل التعدية بحمل النظير على النظير فإنه نظير دعا وهو يتعدى بالباء لا من قبيل التعدية بالتضمين بأن ضمن سأل معنى دعا فعدى تعديته كما زعمه صاحبا لكشاف وٌّ فائدة التضمين على ما صرح به ذلك الفاضل في تفسير سروة النحل إعطاء مجموع المعنيين ولا فائدة في الجمع بين معنى سأل ودعا لأن أحدهما يغني عن الآخر وامراد بهذا السائل على ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره الجمهور هو النضر بن الحارث من بني عبد الدار حيث قال إنكاراً واستهزاء اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وصيغة الماضي وهو واقع دون سيوقع للدلالة على تحقق وقوعه إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر فإن النضر قتل يومئذٍ صبراً وإما في الآخرة وهو عذاب النار وعن معاوية إنه قال لرجل من أهل سب ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله عليه السلام، حين دعاهم إلى الحق إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له وقيل السائل هو الرسول عليه السلام، استعجل بعذابهم وسأل أن يأخذهم الله أخذاً شديداً ويجعله سنين كسني يوسف وإن قوله تعالى : سأل سائل حكاية لسؤالهم المعهود على طريقة قوله تعالى يسألونك عن الساعة وقوله تعالى متى هذا الوعد ونحوهما إذ هو المعهود باوقوع على الكافرين لا ما دعا به النضر فالسؤال بمعناه
١٥٣
وهو التفتيش والاستفسار لأن الكفرة كانوا يسألون النبي عليه السلام، وأصحابه إنكاراً واستهزاء عن وقوعه وعلى من ينزل ومتى ينزل والباء بمعنى عن كما في قوله تعالى فسأل به خيراً أي فاسأل عنه لأن الحروف العوامل يقوم بعضها مقام بعض باتفاق العلماء وعن الامام الواحدي إن الباء في بعذاب زائدة للتأكيد كما في قوله تعالى وهزي إليك بجذع النخلة أي عذاباً واقعاً كقولك سألته الشيء وسألته عن الشيء للكافرين} أي عليهم فاللام بمعنى على كما في قوله تعالى :[الإسراء : ٧-٩]﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ أن فعليها أو بهم فالام بمعنى الباء على كما في قوله تعالى : وإن أسأتم فلها أي فعليها أو بهم فاللام بمعنى الباء على ما ذهب بعضهم في قوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله أي بأن يعبدوا الله أو على معناه أي نازل لأجل كفرهم ومتعلقه على التقادير الثلاثة هو واقع قال بعض العارفين بهذا وصف ل الأمل والظن الكاذب الذين يظنون أنهم يتركون في قبائح أعمالهم وهم لا يعذبون ليس له} أي لذلك العذاب ﴿دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ﴾ أي من جهته تعالى إذ جاء وقته وأوجيب الحكمة وقوعه ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ صفةلأنه من الأسماء المضادة مثل فالق الإصباح وجاعل الليل سكناً ونحوهما والمعارج جمع معرج بفتح الميم هنا بمعنى مصعد وهو موضع الصعود، قال الراغب : العروج ذهاب في صعود والمعارج المصاعد ومعنا ذي المعارج بالفارسية خداوند درجهاى بلند است.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٥٣
والمراد الأفلاك التسعة المرتبة بعضها فوق بعض وهي السموات السبع والكرسي والعرش ﴿تَعْرُجُ الملائكة﴾ المأمورون بالنزول والعروج دون غيرهم من المهيمين ونحوهم لأن من الملائكة من لا ينزل من السماء أصلاً ومنهم من لا يعرج من الأرض قطعاً ﴿وَالرُّوحُ﴾ أي جبريل افرده بالذكر لتميزه وفضله كما في قوله تعالى :[القدر : ٤]﴿تَنَزَّلُ الملائكة وَالرُّوحُ﴾ فقد ذكر مع نزولهم في آية وعروجهم في أخرى إليه} أي يعرجون من مسقط الأمر إلى عرشه وإلى حيث تهبط منه أوامره كقوله إبراهيم عليه السلام، إني ذاهب إلى ربي أي إلى حيث رن رب بالذهاب إليه فجعل عروجهم إلى العرش عروجاً إلى الرب لأن العرش مجلى صفة الرحمانية فمنه تبتد الأحكام وإلى حيث شاء الله تعالى تهبط الملائكة بأعمال بني آدم إلى الله تعالى والروح إليهانا ظرفي ذلك المشهد.
(في يوم) متعلق بتعرج كألى (كان مقداره خمسين ألف سنة) مما يعده الناس كما صرح به قوله تعالى :﴿فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ وقوله : خمسين خبر كان وهو من باب التشبيه البليغ والأصل كمقدار مدة خمسين ألف سنة.
واعلم أن تحقيق هذه الآية يستدعى تمهيد مقدمة وهي أن المبروج اثنا عشر على ما أفاده هذا البيت وهو قوله :
ون حمل ون ثور وون جوزا وسرطان وأسد
سنبله ميزان وعقرب قوس وجدى ودلو وحوت


الصفحة التالية
Icon