ولا يلزم إن لا تفارقه بالمعالجات المذكورة في كتب الأخلاق فإنها كبرودة الماء ليست من اللوازم المهيئة للوجود بل إنما حصولها فيه بوضع الله تعالى وخلقه وهو يزيلها أيضاً بالأسباب التي سببها إذا أراد فإن قيل فيلزم أن يكون له هلع حين كان في المهد صبياً قلنا نعم ولا محذور ألا يرى إنه كيف يسرع إلى الثدي ويحرص عى الرضاع ويبكي عند مس الألم ويمنع بما سوعه إذا تمسك بشيء فوحم فيه قال الراغب فإن قيل ما الحكمة في خلق الإنسان على مساوي الأخلاق قلنا الحكمة في خلق الشهوة أن يمانع نفسه إذا نازعته نحوها ويحارب شيطانه عند تزيينه المعصية فيستحق من الله مثوبة وجنة انتهى.
يعني كما إنه ركب فيه الشهوة ركب فيه العقل الرادع وحصلت الدلالة إلى الصراط السوي من الشارع قال بعض العارفين الشح في الإنسان أمر جبلي لا يمكن زواله ولكن يتعطل بعناية الله تعالى استعماله لا غير فلذلك قال ومن يوق شح نفسه فأثبت الشح في النفس إلا أن العبد يوقاه بفضل الله وبرحمته وقال إن الإنسان خلق هلوعاً الخ وأصل ذلك كله إن الإنسان استفاد وجوده من الله فهو مفطور على الاستفادة لا على إفادة فلا تعطيه حقيقته أن يتصدق أو يعطي أحداً شيئاً ولذلك ورد الصدقة برهان يعني دليل إن هذا الإنسان وفي بها شح النفس.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٥٣
يقول الفقير : وعليه المزاح المعروف وهو أن بعض العلماء وعق في الماء فكاد يغرق فقال له بعض الحاضرين يا سلطاني نولني يد فقيل لا تقل هكذا فإنه اعتاد الأخذ لا الإعطاء بل قل خذ بيدي وقال بعضهم : الغضب والشر.
والحرص والجبن والبخل والحسد وصف جبلي في لإنسان والجان وما كان من الجبلة فمحال أن يزول إلا بانعدام الذات الموصوفة به ولهذا عين الشارع صلى الله عليه وسلّم لهذه الأمور مصارف فقال لا حسد إلا في اثنتين وأمر بالغضب لا حمية جاهلية وقال ولا ثقل لهما أف ثم مدح من قال أف لكم ولما تعبدون من دون الله وقال ولا تخافوهم ثم قال وخافون فالكل يستعملون هذه الصفات استعمالاً محموداً وكثير من الفقراء يظنون زوال هذه الصفات منهم حين يعطل الله استعمالها فيهم وليس كذلك.
يقول الفقير : ومه يعلم صحة قول من قال إن النفس لأمارة بالسوء وإن كانت نفس الأنبياء على ما أسلفناه في سورة يوسف والحاصل أن أصول الصفات باقية في الكل لبقاء المحاربة مع النفس إذ لا يحصل الترقي إلا بالمحاربة والترقي مستمر إلى الموت فكذا المحاربة المبنية على بقاء أصول الصفات فأصل النفس أمارة لكن لا يظهر أثرها في الكاملين كما يظهر في الناقصين فاعلم ذلك قال القاشاني إن النفس بطبعها معدن الشر ومأوى الرجس لكونها من عالم الظلمات فمن مال إليها بقلبه واستولى عليه مقتضى بلته وخلقته ناسب الأمو السفلية واتصف
١٦٣
بالرذائل التي أردأها الجبن والبخل المشار إليهما بقوله وإذا مسه الشر الخ.
لمحبة البدن ما يلائمه وتسببه في شهواته ولذاته وإنما كانا أردأ لجذبهما القلب إلى أسفل مراتب الوجود.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٥٣