﴿قُلْ إِنْ أَدْرِى﴾ أي ما أدري لأن إن نافية ﴿أَقَرِيبٌ﴾ خبر مقدم لقوله ﴿مَّا تُوعَدُونَ﴾ ويجوز أن يكون ما توعدون فاعلاً لقريب ساداً مسد الخبر لوقوعه بعد ألف الاستفهام وما موصولة والعئاد محذوف أي أقريب الذي توعدونه نحو أقائم الزيدان ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَه رَبِّى أَمَدًا﴾ أي غاية تطول مدتها وإلا مد وإن كان يطلق على القريب أيضاً إلا أن المقابلة تخصصه بالبعيد والفرق بين الزمان والأمد أن الأمد يقال باعتبار الغاية والزمان عام في المبدأ والغاية والمعنى أن الموعود كائن لا محالة وإما وقته فما أدي متى يكون لأن الله لم يبينه لما أرى في إخفاء وقته من المصلحة وهو رد لما قاله المشركون عند سماعهم ذلك متى يكون الموعود إنكاراً له واستهزاء فإن قيل أليس قال عليه السلام بعثت أنا والساعة كهتين فكان عالماً بقرب وقوع القيامة فكيف قال ههنا لا أدري أقريب أم بعيد والجواب إن امراد بقرب وقوعه هو أن ما بقي من الدنيا أقل ممن انقضى فهذا القدر من القرب معلوم وأما قربه بمعنى كونه بحيث يتوقعفي كل ساعة فغير معلوم على أن كل آت قريب ولذا قال تعالى :﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ وقال كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وذلك بالموت}
٢٠٠
للمتقدمين ووقع عين القيامة للمتأخرين كما أوعد نوح عليه السلام بالطوفان فلم يدركه بعضهم بل هلك قبله وغرق في طوفان الموت وبحر البلاء قال بعض أهل المعرفة قل إن أدري أقريب ما توعدون في القيامة الصغرى من الفناء الصوري والموت الطبيعي الاضطراري والدخول في نار الله الكبرى عند البعث لعدم الوقوف على قدر الله أو في الكبرى من الموت لإرادي والفناء الحقيقي لعدم الوقوف على قوة الاستعداد فيقع عاجلاً أم ضرب الله غاية وأجلاً عالم الغيب} وحده وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم لجميع ما غاب عن الحس على أن اللام للاستغراق والجملة استئناف مقرر لما قبله من عدم الدراية ﴿فَلا يُظْهِرُ﴾ آكاه نكند ﴿عَلَى غَيْبِه أَحَدًا﴾ الفاء لترتيب عدم الإظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب على الإطلاق أي فلا يطلع على غيبه إطلاعاً كاملاً ينكشف به جلية الحال انكشافاف تاماً موجباً لعين اليقين أحد من خلقه
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨
﴿إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ الارتضاء سنديدن وأصله تناول مرضي الشيء إلا إلا رسولاً ارتضاه واختاره لإظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقاً ما إما لكونه من مبادي رسالته بأن يكون معجزة دالة على صحتها وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية التي أمر بها المكلفون وكيفيات أعمالهم وأجزيتها المترتبة عليها في الآخرة وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي من جملتها قيام الساعة والبعث وغير ذلك من الأمور الغيبية التي بيانها عن وظائف الرسالة وإما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها وقت قيام الساعة فلا يظهر عليه أحدا أبداً على أن بيان وقته مخل بالحكمة التشريعية التي عليها ءَدور فلك الرسالة وليس فيه ما يدل على نفي كرامات الأولياء المتعلقة بالكشف فإن اختصاص الغاية القاصية من مراتب اكشف بالرسل لا يستلزم عدم حصول مرتبة ما من تلك المراتب لغيرهم أصلاً ولا يدعى أحد لأحد من الأولياء ما في مرتبة الرسل من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح بل إطلاعهم بالأخبار الغبي والتلقف من الحق فيدخل في الرسول وارثه قال الجنيد قدس سره : قعد على غلام نصراني متنكراً، وقال : أيها الشيخ ما معنى قوله عليه السلام اتقوا فراسة المؤمني، فإنه ينظر بنور الله، قال : فأطرقت رأسي ورفعت فقلت أسلم أسلم فقد حان وقت إسلامك فأسلم الغلام فهذا إما بطريق افراسة أو بيرها من أنواع الكشوف وخرج من البين أهل الكهانة والتنجيم لأنهم ليسوا من أهل الارتضاء والاصطفاء كالأنبياء والأولياء فليس أخبارهم بطريق الإلهام والكشف بل بلإمارات والظنون ونحوها ولذا لا يقع أكثرها إلا كاذباً ومن قال أنا أخبر من أخبار الجن يكفر لأن الجن كالأنس لا تعلم غيباً وقد سبق إن الكهانة انقطعت اليوم فلا كهانة أبداً لأن الشياطين منعوا من السماء قال ابن الشيخ إنه تعالى لا يطلع على الغيب الذي يختص به علمه إلا المرتضى الذي يكون رسولاً وما لا يختص به يطلع عليه غير الرسول إما بتوسط الأنبياء أو بنصب الدلائل وترتيب القمدمات أو بأن يلهم الله بعض الأولياء وقوع بعض المغيبات في المستقبل بواسطة الملك فليس مراد الله بهذه الآية إن لا يطلع أحداً على شيء من المغيبات إلا الرسل لظهور أنه تعالى قد يطلع على شيء
٢٠١