قوله عدداً تمييز منقول من لمفعول به كقوله وفجرنا الأرض عيوناً والأصل أحصى عدد كل شيء وفائدته بيان إن علمه تعالى بالأشياء ليس على وجه كلي إجمالي بل على وجه جزئي تفصيلي فإن الإحصاء قد يراد به الإحاطة الإجمالية كما في قوله تعالى :﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَآ﴾ أي لا تقدروا على حصرها إجمالاً فضلاً عن التفصيل وذلك لأن أصل الإحصاء إن الحاسب إذا بلغ عقداً معيناً من عقود الأعداد كالعشرة والمائة والألف وضع حصاة ليحفظ بها كمية ذلك العقد فيبنى على ذلك حسابه وهذه الآية مما يستدل به على أن المعدوم ليس بشيء لأنه لو كان شيئاً لكانت الأشياء غير متناهية وكونه أحصى عددها يقتضي كونها متناهية لأن إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي فيلزم الجمعبين كونها متناهية وغير متناهية وذلك محال فوجب القطع بأن المعدوم ليس بشيء حتى يندفع هذا التناقض والتنافي كذا في حواشي ابن الشيخ رحمه الله.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨
تفسير سورة المزمل
وآيها تسع عشرة أو عشرون آية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٢
يا أيها المزمل} أي المتزمل من تزل بثيابه إذا تلفف بها وتغطى فأدغم التاء في الزاي فقيل المزمل بتشديدين كان عليه السلام، نائماً بالليل متزملاً في قطيفة أي دثار مخمل فأمر أن يترك التزمل إلى التشمر للعبادة ويختار التهجد على الهجود وقال ابن عباس رضي الله عنهما أول ما جاءه جبريل خافه فظن أن به مسامن الجن فرجع من حبل حراء إلى بيت خديجة مرتعداً وقال زملوني فبينما هو كذلك إذا جاء جبريل وناداه وقال [المزمل : ٢]يا اأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} وعن عكرمة إن المعنى يا أيها الذي زمل أمراً عظيماً أي حمله والزمل الحمل أزدمله احتمله قال السهيلي رحمه الله ليس المزمل من أسمائه عليه السلام التي يعرف بها كما ذهب إليه بعض الناس وعده في أسمائه وإنما المزمل مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطابوكذا المدثر وف خطابه بهذا الاسم فائدتان إحداهما الملاطفة فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك الماتبة سموه اسم مشتق من حالته التي هو عليها كقول النبي عليه السلام لعلي رضي الله عنه حين غاضب فاطمة رضي الله عنها أي أغضبها وأغضبته فأتاه وهو نائم قد لصق بجنبه التراب فقال له : قم يا أبا تراب إشعاراً بأنه غير عاتب عليه وملاطفة له وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة رضي
٢٠٣
الله عنه قم يا نومان وكان نائماً ملاطفة وإشعاراً بترك العتب والتأديب فقول الله تعالى لمحمد عليه السلام يا أيها المزمل تأنيس وملاطفة ليستعشر إنه غير عاتب عليه والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد ليله لينتبه إلى قيام الليل وذكر الله فيه لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل بذلك العمل واتصف بتلك الصفة انتهى وفي فتح الرحمن الخطاب الخاص بالنبي عليه السلام كأيها المزمل ونحوه عام للأمة إلا بدليل يخصه وهذا قول أحمد والحنفية والمالكية وقال أكثر الشافعية لا يعمهم إلا بدليل وخطابه عليه السلام لواحد من الأمة هل يعم غيره قال الشافعي والحنفية والأكثر لا يعم وقال أبو الخطاب من أئمة الحنابلة إن وقع جواباً عم وإلا فلا قم الليل}
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٣