وهي كل نار عظيمة في مهواة وفي الكشاف هي النار الشديدة الحر والاتقاد ﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾ هو ما ينشب في الحلق ويعلق من عظم وغيره فلا ينساغ أي طعاماً غير سائغ يأخذ بالحلق لا هو نازل ولا هو خارج كالضريع والزقوم وهما في الدنيا من النباتات والأشجار سمان قاتلان للحيوان الذي يأكلهما مستكرهان عند الناس فما ظنك بضريح جهنم وزقومها وهو في مقابلة الهنيء ولمريء لأهل الجنة وإنما ابتلوا بهما لأنهم أكلوا نعمة الله وكفروا بها ﴿وَعَذَابًا أَلِيمًا﴾ ونوعاً آخر من العذاب مؤلماً لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه كما يدل عليه التنكير كل ذلك معدلهم ومرصد فالمراد بالعذاب سائر أنواع العذاب جاء في التفسير نه لما نزلت هذه الآية خر النبي عليه السلام مغشياً عليه وعن الحسن البصري قدس سره إنه أمسى صائماً فأتى طعام فعرضت له هذه، الآية فقال أرفعه ووضع عنده الليلة الثانية فعرضت له فقال ارفعه وكذلك الثالثة فأخبر ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فجاؤوا فلم يزالوا حتى شرب شربة من سويق.
اعلم أن أصناف العذاب الروحاني في الآخرة ثلاثة حرقة فرقة المشتهيات وخزي خجلة الفاضحات وحسرة فوت المحبوبات ثم ينتهي الأمر إلى مقاساة النار الجسمانية الحسية والخزى الذل والحقارة والخجلة التحير من الحياء والفاضح الكاشف عيب المجرم ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الارْضُ وَالْجِبَالُ﴾ ظرف للاستقرار الذي تعلق به لدينا والرجفة الزلزلة والزعزعة الشديدة أي تضطرب وتتزلزل بهيبة الله وجلاله ليكون علامة لمجيء القيامة وأمارة لجرين حكم الله في مؤاخذة العاصين أفرد الجبال بالذكر مع كونها من الأرض
٢١٤
لكونها أجساماً عظاماً أوتاداًا لها فإذا تزلزلت الأوتاد لم يبق للأرض قرار وأيضاً إن زلزلة العلويات أظهر من زلزلة السلفيات ومن زلزلتها تبلغ القلوب الحناجر خوفاً من الوقوع ﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ﴾ من شدة الرجفة مع صلابتها وارتفاعها ﴿كَثِيبًا﴾ في "القاموس" الكثيب التل من الرمل انتهى من كثب الثنى إذا جمعه كأنه فعقيل بمعنى مفعول في أصله ثم صار اسماً بالغلبة للرمل المجتمع ﴿مَّهِيلا﴾ أي كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا أي نثر واسيل بحيث لو حرك من أسفله أهال من أعلاه وسال لتفرق أجزائه كالعهن المنقوش ومثل وهذا الرمل يمر تحت الرجل ولا يتماسك فكونه متفرق الأزاء منثوراً سائلاً لا ينافي كونه رملاً مجتمعاً وبالفارسية كوههاى سخت ون ريك روان شد از هيبت آن روز.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٣
فقوله مهيلا اسم مفعول من هال يهيل وأصله مهيول كمبيع من باع لا فعيل من مهل يمهل وخص الجبال بالتشبيه بالكثيب الهيل لأن ذلك خاصة لها فإن الأرض تكون مقررة في مكانها بعد الرجفة دل عليه قوله تعالى :﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا﴾ والحاصل إن الأرض والجبال يدق بعضها ببعض كما قال تعالى : وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فترجع الجبال كثيباً مهيلاً ثم ينسفها الريح فتصير هباء منبثاً وتبقى الأرض مكانه ثم تبدل كما مر.


الصفحة التالية
Icon