﴿وَءَاخَرُونَ﴾ عطف على مرضى ﴿يَضْرِبُونَ فِى الأرْضِ﴾ صفة آرون أي يسافرون فيها للتجارة من ضرب في الأرض سافر فيها ابتغاء الرزق قال لراغب الضرب في الأرض الذهاب فيها وهو بالأرجل ﴿يَبْتَغُونَ﴾ الابتغاء جستن ﴿مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ وهو الربح وفيه تصريح بما علم لتزاماً وبيان أن ما حصلوه من الرزق من فضل الله ومحل يبتغون حال من ضمير يضربون وقد عم ابتغاء الفضل تحصل العلم فإنه من أفضل المكاسب وفيه إن معلم الخير وهو رسول الله عليه السلام كان حاضراً عندهم وقت نزول الآية فأين يذهبون إلا أن يجعل آخر السورة مدنياً فقد كانوا يهاجرون من مكة إلى المدينة لطلب العلم وأيضاً هذا بالنسبة إلى خصوص الخطاب وإما بالنسبة إلى أهل القرن الثاني فبقاء الحكم يوقعهم في الحرج وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه إنه قال حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة وأفضل من شهود ألف جنزة ومن عيادة ألف مريض قيل ومن قراءة القرآن قال وهل تنفع قراءة القرآن بلا عمل ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ الأعداء ﴿فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ عطف على مرضى أيضاً ويقاتلون صفته وسبيل الله ما يوصل إلى الأجر عند الله كالجهاد وفيه تنبيه على إنه سيؤذن لهم في القتال مع الأعداء سوى الله في هذه الآية بين درجة المجاهدين في سبيل الله ومكتسبين للمال الحلال للنفقة على نفسه وعياله والإحسن إلى ذوي الحاجات حيث جمع نبيهما قول على أن التجارة بمنزلة الجهاد وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيما رجل جلب شيئاً من مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباًفباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٣
﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ أي وإذا كان الأمر كما ذكر وتعاضد الدواعي إلى الترخيص فاقرأوا ما تيسر من القرآن من غير تحمل المشاق فإن قيل كيف ثقل قيام الليل على الأصحاب رضي الله عنهم وقد خف على كثير من التابعين حتى كانوا يقومون إلى طلوع الفجر منهم الامام أبو حنيفة وسعيد بن المسيب وفضيل بن عياش وأبو سليمان اداراني ومالك بن دينار وعلي بن بكار وغيرهم حتى قال علي بن بكار الشامي منذ أربعين سنة لم يحزني شيء إلا طلوع الفجر قلت الثقلة لم تكن في قيامه بل في محافظة القدر الفروض كما سبق على إنه لا بعد في يثقل عليهم قبل التعذر بذلك ثم كان من ر بعضهم إنه ختم القرآن في ركعة واحدة كعثمان وتميم الداري رضي الله عنهما ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا﴾ المفروضة ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا﴾ الواجبة وقيل هي زكاة الفطر إذا لم يكن بمكة زكاة غيرها وإنما وجبت بعدها ومن فسرها بالزكاة المفروضة جعل آخر السورة مدنياً وذلك أن تجعلها من باب ما تأخر حكمه
٢٢١
عن نزوله ففيه دلالة على أنه سينجز وعده لرسوله ويقيم دينه ويظهره حتى تفرض الزكاة وتؤدي ﴿وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ وقرض دهيد خدايرا قرض نيكو.
والقرض ضرب من القطع وسمى ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدله قرضاً لأنه مقروض مقطوع من ماله أريد به الانفاقات في سبيل الخيرات غير المفروض فإنها كالفرض الذي لا خلف في أدائه وفيه حث على التطوع كما قال عليه السلام :"إن في المال حقاً سوى الزكاة على أحسن وجه" وهو إخراجها من أطيب الأموال وأكثرها نفعاً للفقراء بحسن النية وصفاء الباء إلى أخوج الصلحاء وجه هذا التفسير هو أن قوله وآتوا الزكاة أمر بمرجد إعطائها على أي وجه كان وقوله وأقرضوا الله قرضاً حسناً ليس كذلك بل هو أمر بالإعطاء المقيدبكونه حسناً وتسمية الإنفاق لوجه الله أقراضاً استعارة تشبيهاً له بالإقراض من يحث إنما أنفقه يعود عليه مع زيادة وقال بعضهم هو قول سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر والنفقة في سبيل الله كما قال عمر رضي الله عنه أو النفقة على الأهل وفي الحديث ما أطعم المسلم نفسه وأهل بيته فهو له صدقة أي يؤجر عليه بحسن نيته ثم ههنا أمر غامض وهو أنه روى الامام الغزالي رحمه الله عن القاضي الباقلاني إن ادعاء البراءة من الغرض بالكلية كفر لأن التنزه خاصة إلهية لا يتصور الإشراك فيها فلعل ما يقال إن العبد ليبلغ إلى درجة بعمل ما يعمل لا لغرض بل لرضى الله أو لامتثال أمره فقط إنما هو من الغفلة عن غرض خفي هل هو غرض جلي لكنه مراد على.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٣