ويجوز أن يكون أهل الحقيقة داخلاً في أن يتقدم لأنه وأهل الشريعة كل منهما عن المتقدمين وإن كان بينهما فرق في التقدم وتفاوت في السير والمسارعة والحاصل إلا أهل أن ستعداد تقدموا باكتساب الفضائل والخيرات والكمالات إلى مقام القلب والروح والسر وإما غيرهم فتأخروا بالميل إلى البدن وشهواته ولذاته فوقعوا في ورطة الطبيعة ﴿كُلُّ نَفْس﴾ من نفوس الأنس والجن المكلفين ﴿بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ مرهونة عند الله بكسبها محبوسة ثابتة وفي بعض التفاسير بسبب ما كسبت من الأعمال السيئة من رهن الشيء أي دام وثبت وأرهنته أي تركته مقيماً عنده وثابتاً والرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك والمرتهن هو الذي يأخذ المرهون ونفس المكلف محبوسة ثابتة عند الله بما أوجبه عليه من التكاليف التي هي حق خالص له تعالى فإن أداها المكلف كما وجبت عليه فك رقبته وخلص نفسه وإلا بقيت نفسه مرهونة محبوسة عنده وقال بعضهم الرهينة اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم على أن تكون التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية وفي فتح الرحمن للمبالغة أو على تأنيث اللفظ لأعلى معنى الإنسان ونحوه وليس أي الرهينة صفة وإلا لقيل رهين لأن فعيلاً بمعنى مفعول لا تدخله التاء ل يستوي فيه المذكر والمؤنث إلا أن يحمل على ما هو بمعنى الفاعل فإنه يؤتى في مؤنثه بالتاء كما في عكسه في قوله تعالى :﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال الراغب : قيل في قوله كل نفس بما كسبت رهينة إنه فعيل بمعنى فاعل أي ثابتة مقيمة وقيل بمعنى مفعول أي كل نفس مقامة في جزاء ما قدم من عملها ولما كان الرهن يتصور من حبسه استعير ذلك للمحتسب أي شيء كان إلا أصحاب اليمين} استثناء متصل من كل نفس لكثرتها في المعنى وأصحاب اليمين أهل الأعمال الصالحة من المؤمنين أي فإنهم فاكون رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم كما يفك الراهن رهنه بأداء الدين.
قال القاشاني كل نفس بمكسوبها رهن عند الله لإفكاك لها لاستيلاء هيئات أعالها وآثار أفعالها عليها ولزومها إياها وعدم انفكاكها
٢٣٩
عنه الأصحاب اليمين من السعداء الذين تجردوا عن اليهئات الجسدانية وخلصوا إلى مقام الفطرة ففكوا رقابهم من الرهن ﴿فِى جَنَّـاتٍ﴾ كأنه قيل ما بال أصحاب اليمين فقيل لهم في جنات لا يكتنه كنهها ولا يوصف وصفها كما دل عليه التنكير والمراد أن كلا منهم ينال جنة منها ﴿يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ تفاعل هنا بمعنى فعل أي يسألون المجرمين عن أحوالهم وقد حذف المسؤول لكونه عين المسؤول عنه ولدلالة ما بعده عليه.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٣
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص٢٤٠ حتى ص٢٥٠ رقم٢٥