فإن قلت : أيريدون إن كل واحد منهم بمجموع هذه الأربع دخل النار أم دخلها بعضهم بهذه وبعضهم بهذه قلت يحتمل الأمرين جميعاً كافي الكشاف وفيه إشارة إلى أن بقاءهم في سقر الظبيعة إنما كان بسبب هذه الرذائل والذمائم ﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـاعَةُ الشَّـافِعِينَ﴾ من الأنبياء والملائكة وغيرهم أي لو قدر اجتماعهم على شفاعتهم على سبيل فرض المحال لا تنفعهم تلك الشفاعة فليس المراد أهم يشفعون لهم ولا تنفعهم شفاعتهم إذا الشافعة يوم القيامة موقوفة على الأذن وقابلية المحل فلو وقعت من المأذون للقابل قبلت والكافر ليس بقابل لها فلا إذن في الشفاعة له فلا شفاعة ولا نفع في الحقيقة وفيه دليل على صحة الشفاعة ونفعنا يومئذٍ لعصاة المؤمنين وإلا لما كان لتخصيصهم بعدم منفعة الشفاعة وجه قال ابن مسعود رضي الله عنه تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلا أربعة ثم تلا قوله قالوا لم نك من المصلين إلى قوله بيوم الدين وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن محمداً عليه السلام يشفع ثلاث مرات ثم تشفع الملائكة ثم الأنبياء ثم الآباء ثم الأبناء ثم يقول الله بقيت رحمتي ولاي دع في النار إلا من حرمت عليه الجنة ويقول الرجل من أهل النار لواحد من أهل الجنة يات فلان أما تعرفني أنا الذي سقيتك شربة ويقول آخر أنا الذي وهبت لك وضوأ ويقول آخر أطعمتك لقمة وآخر كسوتك خرقة وعلى هذا فيشفع له فيدخله الجنة أما قبل دخول النار أو بعدهم فما لهم عن التذكرة معرضين} الفاء لترتيب أنكال إعراضهم عن القرآن بغير سبب على ما قبلها من موجبت الإقبال عليه والاتعاظ به من سوء حال المكذبين ومعرضين حال من الضمير في الجار الوقع خبراً لما الاستفهامسية وعن متعلقة به أي فإذا كان حال المكذبين به على ما ذكر فأي شيء حصل لهم معرضين عن القرآن مع تعاضد موجبات الإقبال عليه وتأكد الدواعي للإيمان به وفي "كشف الأسرار" س ه رشسيدست ايشانراكه ازنين ندى روكردانيده انده يقال لإعراض يكون بالجحود وبترك الاتباع له ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ﴾ حال من المستكن في معرضين بطريق التداخل وحمر جمع حمار وهو معروف ويكون وحشياً وهو المراد هنا ومستنفرة من نفرت الدواب بمعنى هربت لا من نفر الحاج والمعنى مشبهين بحمر نافة يعني خران رميدكان.
فاستنفر بمعنى نفر كما إن استعجب بمعنى عجب وقال الزمخشري كأنهم حمر تطلب النفار من نفوسها بسبب إنهم جمعوا هم نفوسهم للنفار وحملوه عليها فأبقى السين على بابها من الطلب قال الراغب : مستنفرة قد قرىء بفتح الفاء وكسرها فإذا كسر الفاء فمعناه نافرة وإذا فتح فمعناه منفرة ﴿فَرَّتْ مِن قَسْوَرَة﴾ أي من أسد لأن الوحشية إذا عاينت الأسد تهرب أشد الهرب، ومثل القسورة الحيدرة لفظاً، ومعنى وهي فعولة من القسر وهو القهر والغلبة، لأنه يغلب السبع ويقهرها.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٣
قال ابن عباس رضي الله عنهما : القسورة هو الأسد بلسان الحبشة، وقيل : هي جماعة الرماة الذين يتصيدونها.
(وقال الكاشفي) : كريخنذ از شيريا از صياد ياريسمان دام يا مردم تيرانداز يا آوازهاى مختلف.
شبهوا في أعراضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ، وشرادهم
٢٤١
عنه، بحمر جدت في نفارها مما أفزعها.
يعني : نانه خرابيا باني ازياهامى كريزد ايشان از استماع قرآن مى كريزند زيراكه كوش سخن شنوودل ند ذر ندارند كما أشار إليه في المثنوى :
ازكجا اين قوم ويغام ازكجا
ازجادى جان كجا باشد رجا
فهمهاى كج مج كوته نظر
صد خيال بد در آرد در نكر
راز جزبار ازدان انباز نيست
راز اندركوش منكر راز نيست
وفيه من ذمهم وتهجين حالهم ما لا يخفى يعني إن في تشبيههم بالحمر شهادة عليهم بالبله ولا ترى مثل نفار حمر الوحش وإطرادها في العدو إذا خافت من شيء ومن أراد إهانة غليظة لأحد والتشنيع عليه باشنع شيء شبهه بالحمار.
(روى) أن واحداً من العلماء كان يعظ الناس في مسجد جامع وحوله جماعة كثيرة فرأى ذلك رجل من البله وكان قد فقد حماره فناى لواعظ وقال إني فقدت حماراً فاسأل هذه الجماعة لعل واحداً منهم رآه فقال له الواعظ اقعد مكانك حتى أدلك عليه فقعد الرجل فإذا واحد من أهل الملجس قام وأخذ في أن يذهب فقال الواعظ للرجل خذ هذا فإنه حمارك والمظاهر أنه قال ذلك القول أخذ من هذا الكلام فإنه فر من تذكرة الملك العلامة ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىاٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً﴾ عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكلفون بتلك التذكرة ولا يرضون بها عنادا ومكابرة بل يريد كل واحد منهم أن يؤتى قراطيس تنشر وتقرأ وذلك إنهم أي أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية وأصحابهما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتب من السماء أو يصبح عند رأس كل رجل منا أوراق منشورة يعني مهر بركرفته.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٣