وروى إنه لما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وهزه مرة أو مرتين ولكزه في صدره وقال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فقال أبو جهل أتوعدني يا محمد ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً وإني لأعز أهل هذا الوادي فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع وقتله أسوء قتلة اقعصه بنا عفراء وأجهز عليه ابن مسعود رضي الله عنه واقعصه قتله مكانه وأجهز على الجريح أثبت قتل وأسره وتمم عليه وكان رسول الله عليه السلام يقول إن لكل أمة فرعوناً وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل ﴿أَيَحْسَبُ الانسَـانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ أي يحيى حال كونه مهملاً فلا يكلف ولا يجزي وقيل أن يترك في قبره فلا يبعث سدى المهمل يقال أسدبت أبلى أسداء أي ملتها وتقول أسديت حاجتي وسديتها إذا متها ولم تقضها وتكرير الإنكار لحسبانها يتضمن تكرير إنكاره للحشرو يتضمن الاستدلال على صحة البعث أيضاً وتقريره إن إعطاء القدرة ولآلة والفعل بدون التكليف والأمر بالمحاسن والنهي عن المفاسد يقتضي كونه تعالى راضياً بقبائح الأعمال وذلك لا يليق بحكمته إذا لا بد من التكليف في الدنيا والتكليف لا يليق بالكريم الرحيم إلا لأن يميز الذين آمنوا وعملوا الصالحات من المفسدين في الأرض ولا يجعل المتقين كالفجار ويجازي كل نفس بما تسعى والمجازاة قد لا تكون في الدنيا فلا بد من البعث والقيامة وإنما لم تكن الدنيا دار المجازاة لضيقها وقد قال بعض الكبار من طلب تعجيل نتائج أعماله وأحواله في هذه الدار فقد أساء الأدب وعامل الموطن بما لا تقتضيه حقيقته ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى﴾ الخ ستئناف وارد لإبطال الحسبان المذكور فإن مداره لما كان استبعادهم للإعادة استدل على تحققها ببدء الخلق وقال ابن الشيخ هو استدلال على صحة البعث بدليل ثان والاستفهام بمعنى التوبيخ والنطفة بالضم الماء الصافي قل أو كثر والمني ماء الرجل والمرأة أي ما خلق منه حيوان فالحبل لا يكون إلا من الماءين ويمني بالياء صفة منى وبالتاء صفة نطفة بمعنى يصب ويراق في الرحم ولذا سميت من كالى وهي قرية بمكة لما يمنى فيها من دماء القرابين والمعنى ألم يكن الإنسان ماء قليلاً كائناً منماء معروف بخسة القدر واستقذار الطبع ولذا نكرهما يمنى ويصب في الرحم نبه سبحانه بهذا على خسة قدر الإنسان أولاً وكمال أقدرته ثانياً حيث صير مثل هذا الشي الدني بشراً سوياً وقال بعضهم فائدة قوله يمنى للإشارة إلى حقارة حاله كأنه قيل إنه مخلوق من لنمي الذي يرجي على مخرج النجاسة فكيف يليق بمثل هذا أن يتمرد عن طاعة الله فيما أمر به ونهى إلا أنه تعالى عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز كما في قوله تعالى في عيسى ومريم عليهما السلام كانا يأكلان الطعام والمراد منه قضاء الحاجة كناية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٤٣
﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً﴾ أي ثم كان لمني بعد أربعين يوماً قطعة دم جامد غليظ أحمر بقدرة الله تعالى بعد ما كان ماء أبيض كقوله تعالى :[المؤمنون : ١٤-٣٨]﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾ وهو عطف على قوله : ألم يك لأن إنكار عدم الكون يفيد ثبوت المكون فالتقديرك ان الإنسان نطفة ثم كان علقة فخلق} أي فقدر بأن
٢٥٧
جعلها مضغة مخلقة بعد أربعين أخرى أي قطعة لحم قابل لتفريق الأعضاء وتمييز بعضها من بعض وجعل المضغة عظاماً تتميز بها الأعضاء بأن صلبها فكسا العظام لحماً يحسن به خلقه وتصويره ويسعد لإفاضة القوى ونفخ الروح ﴿فَسَوَّى﴾ فعدله وكمن نشأته.
(قال الكاشفي) : س رلست كردصورت واندام اورا وووح دردميد.
وفي المفرات جعل خلقه على ما اقتضته الحكمة الإلهية أي جعله معادلاً لما تقتضيه الحكمة وقال بعضهم : معنى التسوية والتعديل جعل كل عضو من أعضائه الزوج معادلاً لزوجه ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ﴾ أي من الإنسان باعتبار الجنس أو من المني وجعل بمعنى خلق ولذا اكتفى بمفعول واحد وهو قوله ﴿الزَّوْجَيْنِ﴾ أي الصنفين ﴿الذَّكَرَ وَالانثَى﴾ بدل من الزوجين ويجوز أن يكونا منصوبين بإضمار أعني ولا يخفى إن الفاء تفيد التعقيب فلا بد من مغايرة بين المتعاقبين فلعل قوله فخلق فسوى محمول على مقدار مقدر من الخلق يصلح به للتفرقة بين الزوجين وقوله فجعل منه الزوجين على التفرقة الواقعة ﴿أَلَيْسَ ذَالِكَ﴾ العظيم الشان الذي أنشأ هذا الإنشاء البديع ﴿بِقَـادِرٍ عَلَى أَن يُحِْـاىَ الْمَوْتَى﴾ وهو أهون من البدء في قياس العقل لوجود المادة وهو عجب الذنب والعناصر الأصلية.