وفي التأويلات النجمية : لا يرون في جنة الوصال حر شمس المشاهدة المفني للمشاهد بحيث لا يجد لذة الشهود لأن سطوة المشاهدة تفنى المشاهد بالكلية فلا يجد لذة الشهود من المحبوب المعبود وإلى هذا المعنى أشار النبي عليه السلام في دعائه اللهم أرزقنا لذ هدتك لا زمهرير برد الحجاب والاستتار ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـالُهَا﴾ عطف على ما قبلها حال مثلها والظلال جمع ظل بالكسر نقيض الضح وظلالها فعل دنية من الدنو بمعنى القرب إما بحسب الجانب أو بحسب السمك والضمير إلى الجنة أو أشجارها ومعناه إن ظلال الأشجار في الجنة قربت من الأبرار من جوانبهم حتى صارت الأشجار بمنزلة المظلة عليهم وإن كان لا شمس فيها مؤذية لتظلهم منها ففيه بيان لزيادة نعيمهم وكمال راحتهم فإن الظل في الدنيا للراحة ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا﴾ أي سخرت ثمارها لمتناوليها وسهل أخذها للقائم والقاعد والمضطجع تمام التسخير والتسهيل من الذل بالكسر وهو ضد الصعوبة والجملة حال من دانية أي تدنو ظلالها عليهم مذللة لهم قطوفها أو معطوفة على دانية أي دانية عليهم ظلالها ومذللة قطوفها وهو جمع قطف بكسر القاف بمعنى العنقود وقطفت العنب قطعته وسمى العنقود قطعاً لأنه يقطف ويقطع وقت الإدراك ﴿وَيُطَافُ﴾ يدر من طاف بمعنى دار والطواف والإطافة كلاهما لازم بالفارسية كرد يزى بكشتن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٥٨
وإنما جاء بالتعدية هنا من الباء في بآنية ﴿عَلَيْهِمْ﴾
٢٧٠
أي عى الأبرار إذا أرادوا الشرب والطائف الدائر هو الخدم كما يجيء ﴿بِـاَانِيَةٍ﴾ أوعية جمع إناء نحو كساء وأكسية والأواني جمع الجمع كما في "المفردات" وأصل آنية أءنية بهمزتين مثل أفعلة.
قال في بعض التفاسير الباء فيها إن كانت للتعدية فهي قائمة مقام الفاعل لأنها مفعول له معنى وإلا فالظاهر أن يكون القائم مقامه عليهم ﴿مِن فِضَّةٍ﴾ نسب لآنية ﴿وَأَكْوَابٍ﴾ جمع كوب وهو الكوز العظيم المدور الرأس لا أذن له ولا عروة فيسهل الشرب منه من كلم وضع ولا يحتاج عند التناول إلى إدارته وهو مستعمل الآن في بلاد العرب لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف شرابهم وقدم عليه وصف الأاني التي يشرب بها وذكره بلفظ المجهول لأن المقصود ما يطاف به لا الطائفون ثم ذكر الطائفين بقوله ويطوف الخ ﴿كَانَتْ قَوَارِيرَا﴾ جمع قارورة بالفارسية آبكينه.
وفي "القاموس" القارورة ما قر فيه الشراب ونحوه ﴿قَوَارِيرَا مِن فِضَّةٍ﴾ أي تكونت وحدثت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ولين الفضة وبياضها يرى ما في داخلها من خارجها فكان تامة وقوراير الأول حال من فاعل كانت على المبالغة في التشبه يعني ان القوراير إنما تتكون من الزجاج لا من الفضة فليس المعنى إنها قوراير زجاجية متخذة من الفضة بل الحكم عليها بأنها قوراير وإنها من فضة من باب التشبيه البليغ لأنها في نفسها ليست زجاجاً ولا فضة لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء فثبت أن آنية الجنة مباينة في الحقيقة لقارورة الدنيا وفضتها ولأن قارورة الدنيا سريعة الانكسار والهلاك وما في الجنة لا ي قبل ذلك وفضة الدنيا كثيفة الجوهر لا لطافة فيها وما في الجنة ليس كذلك وإن شارك كل واحد منهما الآخر في بعض الأوصاف فشبهت بالفضة في بياضها ونقائها وبقائها وبالقارورة في شفافيتها وصفائها فهي حقيقة مغايرة لهما جامعة لأوصافهما وذلك كاف في صحة إطلاق اسم القارورة والفضة عليها وعن ابن عباس رضي الله عنهم إن أرض الجنة من فضة وأوافي كل أرض تتخذ من تربه تلك الأرض ويستفاد من هذا الكلام وجه آخر لكون تلك الأكواب من فضة ومن قوارير وهو أن أصل القوراير في الدنيا الرمل وأصل قوارير الجنة هو فضة الجنة فكما إن الله قادر على أن يقلب الرمل الكثيف زجاجة صافية فكذلك قادر على أن يقلب فضة الجنة قارورة صافية بالغرض من ذكر هذه الآية التنبيه على أن نسبة قارورة الجنة إلى قارورة الدنيا كنسبة الفضة الرمل فكما إن لا نسبة بين هذين الأصلين فكذا بين القارورتين كذا في "حواشي ابن الشخ قال بعضهم لعل الوجه في اختيار كون كانت تامة مع إمكان جعلها ناقصة وقوارير الأول خبراً بتكوين الله فيكون فيه تفخيم للآنية بكونها أثر قدرة الله تعالى وقوارير الثاني بدل من الأول على سبيل الإيضاح والتبيين أي قوارير مخلوقة من فضة والملة صفة لأكواب وقرىء بتنوين قوارير الثاني أيضاً وقرئاً بغير تنوين وقرىء الثاني بالرفع على هي قوارير قال ابن الجزري وكلهم وقفوا عليه بالألف إلا حمزة وورشا وإنما صرفه من صرفه لأنه وقع في مصحف
٢٧١
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٥٨


الصفحة التالية
Icon