فالقرار موضع الاستقرار والمكين الحصين أي جعلنا ذلك الماء في مقر حصين يتمكن فيه الماء محفوظاً سالماً من التعرض له فمكين من المكانة بمعنى التمكن لا منها بمعنى المنزلة والمرتبة من الكون يقال رجل مكين في مكة أي متمكن فيها ومكين عند الأمير أي ذو منزلة ومرتبة عنده فيكون فعيلاً لا مفيلاً ﴿إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ أي مقدار معلوم من الوقت الذي قدره الله للولادة تسعة أشهر أو أقل منها أو أكثر وهو في موضع الحال من الضمير المنصوب في فجعلناه أي مؤخراً إلى مقدار معلوم من الزمان ﴿فَقَدَرْنَا﴾ أي فقدرناه والمراد تقدير خلقه وجوارحه وأعضائه وألوانه ومدة حمله وحياته ويدل على كون قدر المخفف لغة بمعنى قدر المشدد قراءة نافع والكسائي بالتشديد ﴿فَنِعْمَ الْقَـادِرُونَ﴾ أي نحن بمعنى المقدرون وإلى هذا المعنى ذهب ابن مسعود رضي الله عنه ويجوز أن يكون فقدرنا من القدرة بمعنى فقدرنا على ذلك أي على خلقه وتصويره كيف شئنا وأردنا من مثل تلك المادة الحقيرة على إن المراد بالقدرة ما يقارن وجود المقدور بالفعل ويعضده قوله فنعم القادرون حيث خلقناه بقدرتنا وجعلنا على أحسن الصور والهيئات ﴿وَيْلٌ﴾ بزركتربلاي ﴿يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ أي بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة قال أبو الليث : أي الشدة من العذاب لمن يرى اللخق الأول فأنكر الخلق الثاني ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ كِفَاتًا﴾ عرفهم أو لا نعمه إلا نفسية لأنها كالأصل ثم اتبعها النعم الآفاقية والكفت بأهم آوردن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٨٠
والكفات اسم ما يكفت أي يضم ويجمع من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه كالضمام لما يضم والجماع لم يجمع نحو التقوى جماع كل خير والخمر جماع كل إثم وكفاتاً مفعول ثن لنجعل لأنه بمعنى ألم نصيرها كفتاً تكفت وتضم ﴿أَحْيَآءً﴾ كثيرة على ظهرها فهو منصبو بفعل مضمر يدل عليه كفاتاً وهو تكفت وإلا فالأسماء الجامدة وكذا أسماء الزمان والمكان وآصالة وإن كانت مشتقة لا تعمل وفي اسم المصدر خلاف وإما المصدر وجمع اسم الفاعل فهما من الأسماء العاملة فمن جعل الكفات مصدراً أو جمع اسم الفاعل وهو كافت كصيام جمع صائم جعله عاملاً ومن جعله اسماً لمن يكفت أو جمعاً للكفت بمعنى الوعاء منعه من العمل غير الزمخشري فإنه جعل كفاتاً وهو اسم عاملاً وقد طعن فيه ﴿وَأَمْوَاتًا﴾ غير محصورة في بطنها ولذا كانوا يسمون الأرض إما تشبيهاً لها بالأم في ضمها للناس إلى نفسها إحياء وأمواتاً كالأم التي تضم أولادها إليها وتضبطهم ولما كانوا ينضمون إليها جعلت كأنه تضمهم وأيضاً كما إن الأرض كفات الإحياء بمعنى إنهم يسكنون فيها كذلك إنها كفات لهم بمعنى إنها تكفت ما ينفصل من الإحياء من الأمور المستقذرة وتنكيرهما في معنى التعريف الاستغراقي لا لإفراد والنوعية ويجوز أن يقال الأرض
٢٨٥
وإن كانت كفاتاً لجميع إحياء الإنس وأمواتهم لكن الإحياء والأموات غير منحصرة فيها لأن بعضا لحيوان يكفته الهواء والبعض الآخر يكفته الماء فلا تكون كفاتاً للجميع بل للبعض فيصح التنكير ونقل عن القفال إنه قال دلت الآية على وجوب قطع يد النباش من حيث إنه تعالى جعل الأرض كفات الميت فتكون حرزاً والسارق من الحرز يجب عليه القطع ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ﴾ أي جبالاً ثوابت يعلى وبيافريديم درزمين كوههاي استوار واي برجا.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٨٠


الصفحة التالية
Icon