جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٢
وفي التأويلات النجمية : رب سموات الأرواح وأرض النفوس وما بينهما من السر والقلب وأقواهما الروحانية هو الرحمن أي الموصوف بجميع الأسماء والصفات الجمالية والجلالية لوقوعه بين الله الجامع وبين الرحيم فله وجه إلى الألوهية المشتملة على القهر وله أيضاً وجه إلى الرحيم الجمالي المحض ﴿لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا﴾ استئناف مقرر لما أفادته الربوبية العامة من غاية العظمة والكبرياء واستقلاله تعالى بما ذكر من الجزاء والعطاء من غير أن كيون لأحد قدرة عليه وضمير لا يملكون لأهل السموات والأرض ومن في منه صلة للتأكيد على طريقة قولهم بعت منك
٣٠٩
أي بعتك يعني : إنه صلة خطاباً قدم عليه فاقنلب بياناً والمعنى لا يملكون أن يخاطبوه تعالى من تلقاء أنفسهم كما ينبيء عنه لفظ الملك إذ المملوك لا يستحق على مالكه شيئاً خطاباً ما في شيء ما لتفرده بالعظمة والكبرياء وتوحده في ملكه بالأمر والنهي والخطاب والمراد نفي قدرتهم على أن يخاطبوه تعالى بشيء من نقص العذاب وزيادة الثواب من غير إذنه على أبلغ وجه وأكده كأنه قيل لا يملكون أن يخاطبوه بما سبق من الثواب والعقاب وبه يحصل الارتباط بين هذه الآية وبين ما قبلها من وعيد الكفار ووعد المؤمنين ويظهر منه إن نفي أن يملكوا خطابه لا ينافي الشفاعة بإذنه قال القاشاني : لأنهم أي أنه الأفعال لم يصلوا إلى مقام الصفات فلاحظ لهم من المكالمة ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والملائكة صَفًّا﴾ آخر الملائكة هنا تعميماً بعد التخصيص وآخر الروح في القدر تخصيصاً بعد التعميم فالظاهر أن الروح من جنس الملائكة لكنه أعظم منهم خلقاً ورتبة وشرفاً إذ هو بمقابلة الروح الإنساني كما أن الملائكة بمقابلة القوى الروحانية ولا شك أن الروح أعظم من قواه التابعة له كالسلطان مع أمرائه وجنده ورعاياه وتفسير الروح بجبريل ضعيف وإن كان هو مشتهراً بكونه روح القدس والروح الأمين إذ كونه روحاً ليس بالنسبة إلى ذاته وإلا فالملائكة كلهم روحانيون وإن كانوا أجساماً لطيفة غير الأرواح المهمية وإنما هو بالنسبة إلى كونه نافخ الروح وحامل الوحي الذي هو كالروح في الإحياء وقد اتفقوا على أن إسرافيل أعظم من جبريل ومن غيره فلو كان أحد يقوم صفاً واحداً لكان هو إسرافيل دون جبرائيل والله أعلم.
بمراده من الروح وإن اختلفت الروايات فيه هذا ما لاح لي في هذا المقام بعون الملك العلام وصفاً حال أي مصطفين لكثرتهم وقيامهم بما أمر الله في أمر العباد وقيل هما صفان الروح صف والملائكة صف وقيل صفوف وهو الأوقف لقوله تعالى :[النبأ : ٣٨]﴿وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ ويوم ظرف لقوله تعالى لا يتكلمون}
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٢
وقوله تعالى ﴿إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ بدل من ضمير لا يتكلمون العائد إلى أهل السموات والأرض الذين من جملتهم الروح والملائكة وهو أرجح لكون الكلام غير موجب والمستثنى منه مذكور في مثله يختار البدل على الاستثناء وذكر قيامهم واصطفافهم لتحقيق عظمة سلطانه تعالى وكبرياء بوبيته وتهويل يوم البعث الذي عليه مدار الكلام من مطلع السورة إلى مقطعها والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى :[النبأ : ٣٨]﴿لا يَتَكَلَّمُونَ﴾.
الخ.
ومؤكد له على معنى أن أهل السموات والأرض إذا لم يقدروا يومئذٍ على أن يتكلموا بشيء من جنس الكلام إلا من أذن الله له منهم في التكلم وقال ذلك المأذون له قولاً صواباً أي حقاً صادقاً أو واقعاً في محله من يغر خطأ في قوله فكيف يملكون خطاب رب لعزة مع كونه أخص من مطلق الكلام وأعز منه مراماً وقيل إلا من أذن.
الخ منصوب على أصل الاستثناء والمعنى لا يتكلمون إلا في حق شخص أذن له الرحمن وقال ذلك الشخص صواباً أي حقاً هو التوحيد وكلمة الشهادة دون غيره من أهل الشرك فإنهم لم يقولوا في الدنيا صواباً بل تفوهوا بكلمة الكفر والشرك وإظهار الرحمن في موقع الإضمار للإيذان بأن مناط الإذن هو الرحمة البالغة لأن أحداً يستحقه عليه تعالى وفي عرائس البقلى من كان كلامه في الدنيا من حيث الأحوال
٣١٠