والأمر للتحضيض والترغيب ظاهراً وللوجوب باطناً بوجوب الإيمان والطاعة وأصل التنافس التغالب في الشيء النفيس أي المرغوب كأن كل واحد من الشخصين يريد أن يستأثر به وأصله من النفس لعزتها وقال البغوي : أصله من الشيء النفيس الذي يحرص عليه نفوس الناس ويريده كل أحد لنفه وينفس به على غيره أي يبخل وفي "المفردات" المنافسة مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره قال ذو النون المصري رحمه الله، علامة التنافس تعلق القلب به وطيران الضمير إليه والحركة عند ذكره والتباعد من الناس والأنس بالوحدة والبكاء على ما سلف وحلاوة سماع الذكر والتدبر في كلام الرحمن وتلقي النعم بالفرح والشكر والتعرض للمناجاة ﴿وَمِزَاجُه مِن تَسْنِيمٍ﴾ عطف على ختامه صفة أخرى لرحيق مثله وما ينهما اعتراض مقرر لنفاسته أي ما يمزج به ذلك الرحيق من ماء تسنيم وهو علم العين بعينها تجري من جنة عدن سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه أما لأنها أرفع شراب في الجنة قدراً فيكون من علو المكانة وأما لأنها تأتيهم من فوق فيكون من علو المكان روى إنها تجري في الهواء متسنمة فتنصب في أوانيهم فإذا امتلأت أمسك الماء حتى لا يقع منه قطرة على الأرض فلا يحتاجون إلى الاستقاء ﴿عَيْنًا﴾ نصب على المدح والاختصاص أي بتقدير أعني ﴿يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ من جناب الله قربا معنوياً روحانياً أي يشربون ماءها صرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة وهم أصحابا ليمين فالباءم زيدة أو بمعنى من وفيه إشارة إلى أن التسنيم في الجنة الروحانية هو معرفة الله ومحبته ولذة النظر إلى وجهه الكريم والرحيق هو الابتهاج تارة بالنظر إلى الله وأخرى بالنظر إلى مخلوقاته فالمقربون أفضل من الأبرار بمحبت غيرنيا ميخته اندشراب ايشان صرفست وآنهاكه محبت ايشان آميخته باشد شراب ايشان ممزوج باشد.
ما شراب عيش ميخواهيم بي دردىء غم
صاف نوشان ديكر ودردى فروشان ديكرند
وقال بعضهم :
تسبيح رهى وصف جمال توبست
وزهر دوجهان ورا وصال توبست
اندردل هركسى ذكر مقصوديست
مقصود دل رهى خيال توبست
ودر بحر الحقائق آورده كه رحيق اشارتست بشراب خالص ازكدورات خمار كونين وأواني مختومه ري قلوب أوليا وأصفياكه ختام أو مسك مبحت است لا يشرب من تلك الأوني إلا الطالبون الصادقون في طريق السلوك إلى الله (على نفسه فليبك من ضاع عمره.
وليس له منها نصيب ولا سهم) وتسنيم أعلاي مراتب محبت ذاتيه كه غير ممزوج باشد بصفات وأفعال ومقربان أهل فنا في الله وبقا بالله إنه كما قال العارف في خمر المحبة الصرفة الخالصة من المزج.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٦٣
عليك بها صرفا فإن شئت مزجها
فعدلت عن ظلم الحبيب هو الظلم
٣٧٢
العدل بمعنى العدول والظلم بالفتح هو ماء الأسنان وبريقها وبالضم هو الجور أي فإن شئت مزجها فامزجها بزلال فم الحبيب وبريقه إن لم تقدر على شربها صرفاً ولا تعدل فإن العدول عن ظلم الحبيب ورشحة زلاله هو الظلم.
وتاكسي بر بساط قرب در مجلس أنس ورياض قدس ازدست ساقى رضا جرعه ازين شراب ناب نشد بويى ازسراين سخنان بمشام جان وى نرسد.
سر مايه ذوق دوجهان مستى عشقست
آنهاكه ازبن مي نشيد نده دانند
﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ كانوا ذوي جرم وذنب ولا ذنب أكبر من الكفر وأذى المؤمنين لإيمانهم فالمراد بهم رؤساء قريش وأكابر المجرمين المشركين كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأمثالهم ﴿كَانُوا﴾ في الدنيا ﴿مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ إيماناً صادقاً ﴿يَضْحَكُونَ﴾ أي يستهزئون بفقرائهم كعمار وصهيب وبلال وخباب وغيرهم وتقديم الجار والمجرور لمراعاة الفواصل ﴿وَإِذَا مَرُّوا﴾ أي فقراء المؤمنين ﴿بِهِمْ﴾ أي بالمشركين وهم في أنديتهم وهو الأظهر وإن جاز العكس أيضاً يقال مرمرا ومروراً جاز وذهب كاستمر ومره وبه جاز عليه كما في "القاموس" قال في تاج المصادر المر بكذشتن بكسى.


الصفحة التالية
Icon