وفي التأويلات النجمية فعال لما رد بالمؤمن والكافر وأرباب الأرواح والأسرار والقلوب وأصحابا لنفوس وأهل الهوى إن أراد أن يجعل آباب الأرواح من أرباب النفوس فهو قادر على ذلك وهو عادل في ذلك وإن أراد عكس ذلك فهو كذلك وهو مفضل في ذلك يحجب من يريد بجلاله كالمنكرين ويتجلى لمن يريدبجماله كالمقربين ويعامل لمن يريد بإفاضة كماله كالعارفين قال القفال : يدخل أولياءه الجنة لا يمنعه مانع ويدخل أعداءه النار لا ينصرهم ناصر ويمهل بعض العصاة على ما يشاء إلى أن يجازيهم ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء فهو يفعل ما يريد.
(روى) إن أناساً دخلوا أعلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يعودونه فقالوا إلا نأتيك بطبيب قال قد رآني قالوا فما قال لك قال إني فعال لما أريد ﴿هَلْ أَتَـاـاكَ﴾ آيا آمد بتو.
أي قد أتاك لأن الاستفهام للتقرير ﴿حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾ أي خبر الجموع الكافرة التي تجندت على الأنبياء في الماضي وخبرهم ما صدر عنهم من التمادي في الكفر والضلال وما حصل بها من العذاب والنكال ﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ بدل من الجنود يعني مع إنه غير مطابق ظاهراً للمبدل منه في الجمعية لأن المراد بفرعون هو وقومه وقد يجعل من حذف المضاف بمعنى جنود فرعون أي هل أتاك
٣٩٤
حديثهم وعرفت ما فعلوا من التكذيب وما فعل بهم من التعذيب فذكر قومك بشؤون الله وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثلهم وقد كانوا ما سمعوا قصة فرعون وجنوده قوم موسى عليه السلام : ورأوا آثار هلاك ثمود قوم صالح عليه السلام، لأنها كانت في ممرهم وفي بلادهم وأخر ثمود مع تقدمه على فرعون زماناً لرعاية الفواصل.
قال القاشاني : هل أتاك حديث المحجوبين إما بالأنانية كفرعون ومن يدين بدينه أو بالآثار والأغيار كثمود ومن يتصل بهم ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من قومك ﴿فِى تَكْذِيبٍ﴾ إضراب عن مماثلتهم لهم وبيان لكونهم أشد منهم في الكفر والطغيان وتنكير تكذيب للتعظيم كأنه قيل ليسوا مثلهم في ذلك بل هم أشد منهم في استحقاق العذاب واستيجاب العقاب فإنهم مستقرون في تكذيب شديد للقرآن الناطق بذلك لكن لا إنهم يكذبون بوقوع الحادثة بل يكذبون كون ما نطق به قرآناً من عند الله مع وضوح أمره وظهور حاله بالبينات الباهرة.
وفي التأويلات النجمية : في تكذيب لاشتمال خلقهم وجبلتهم على صفة الكذب والتكذيب وأمن جبل على صفة لا يقدر على مفارقتها إلا القليل من الكمل كما قال تعالى :﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَه نُورًا﴾ أي في الاستعداد فماله من نور.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٨٣
خوى بد در طبيعتي كه نشست
نرهد جز بوقت مرك ازدست
وفيه إشارة إلى تكذيب المكرين لأهل الحق ووقوفهم مع حالهم واحتجابهم عن حال من فوقهم والله من ورائهم} من خلفهم ﴿مُّحِيطُ﴾ بهم بالقدرة وهو تمثيل العدم نجاتهم من بأس الله بعدم فوت المحاط المحيط إذا سد عليه مسلكه بحيثلا يجد هرباً منه.
وفي التأويلات النجمية : محيط والمحيط لا يفوته المحاط ولا يفوت المحيط شيء لإحاطة الله سبحانه عند العارفين بالكافري بل الموجودات كلها عبارة عن تجليه بصور الموجودات فهو سبحانه بأحدية جميع أمائه سار في الموجودات كلها ذاتاً وحياة علماً وقدرة إلى غير ذلك من الصفت والمراد بإحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة في السموات والأرض وكل ما يعزب عنه يلتحق بالعدم وقالوا هذه الإحاطة ليست كإحاطة الظرف بالمظروف ولا كإحاطة الكل بأجزائه ولا كإحاطة الكلي بجزئياته بلى كإحاطة الملزوم بلازمه فإن التعينات اللاقة لذاته المطلقة إنما هي لوازم له بواسطة أو بغير واسطة وبشرط أو بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم في وحدة الملزوم ولا تنافيها والله أعلم بالحقائق ﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ﴾ أي ليس الأمر كما قالوا بل هذا الذي كذبوا به قرآن شريف عالي الطبقة فيما بين الكتب الإلهية في النظم والمعنى متضمن للمكارم الدنيوية والأخروية ﴿فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظ﴾ أي من التحريف ووصول الشياطين إليه واللوح كل صحيفة عريضة خشباً أو عظماً كما في "القاموس" قال الراغب : اللوح واحد ألواح السفينة وما يكتب فيه من الخشب ونحوه والمراد به هنا ما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين مرة يحيي ويميت ويعز
٣٩٥
ويذل ويفعل ما يشاء وفي صدر اللوح لا إله إلا الله وحده ودينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن به وصدق وعده واتبع رسله أخله الجنة.


الصفحة التالية
Icon