﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ تعطيل للأمر بما أمرت به أي مبلغ وإنما الهداية والتوفيق إلى الله تعالى ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ أي لست بمسلط عليهم تجبرهم على ما تريد كقوله تعالى وما أنت عليهم بجبار وأكثر القراء قرأوا بمصطر بالصاد على القلب لمناسبة الطاء بعدها وقرىء بالسين على الأصل وبالإشمام بأن يخلط صوت الصاد بصوت الزاي بحيث يمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي وخلطذ حرف بحرف أحد معاني الإمام في عرف القراء يقال سطر يسطر سطراً كتب والمسيطر والمصيطر المسلط على الشيء ليشرف لعيه ويتعهد أحواله ويكتب عمله فأصله من السطر فالكتاب مسيطر والذي يفعله مسيطر.
وقال الراغب : يقال سطر فلان على كذا أو تسطر عليه إذا قام عليه قيام سطر أي لست عليهم بقائم وحافظ واستعمال مسيطر هنا كاستعمال القائم في قوله من هو قائم على كل نفس بما كسبت والحفيظ في قوله وما أنت عليهم بحفيظ انتهى ﴿إِلا مَن تَوَلَّى﴾ أعرض عن الحق أو عن الداعي إليه بعد التذكير ﴿وَكَفَرَ﴾ وثبت على الكفر أو أظهره وفي "فتح الرحمن" إلا من تولى عن الإيمان وكفر بالقرآن أو بالنعمة.
وفي التأويلات النجمية : إلا من تولى عن الحق بالإقبال على الدنيا وكفر أي ستر الحق بالخلق وهو استثناء منقطع ومن موصولة لا شرطية لمكان الفاء ورفع الفعل أي لكن من تولى وكفر فإنالولاية والقهر وهو المسيطر عليهم قالوا وعلامة كون الاستثناء متصلاً محضاً لا يحسن ذلك نحو عندي مائتان إلا درهماً فلا يدخل عليه أن ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الاكْبَرَ﴾ الذي هو عذاب جهنم حرها شديد وقعرها بعيد ومقامعها من حديد وفي فتح الرحمن الأكبر عذاب جهنم والأصغر ما عذبوا به في الدنيا من الجوع والأسر والقتل ويؤيده ما قال الراغب في قوله يوم نبطش البطشة الكبرى فيه تنبيه على أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا وفي البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم انتهى.
وأيضاً قوله تعالى :﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الادْنَى دُونَ الْعَذَابِ الاكْبَرِ﴾ فإن المراد بالعذاب الأدنى هو العذاب الأصغر الدنيوي لا البرزخي لقوله تعالى : بعده لعلهم يرجعون فإن الرجوع إنما يعتبر في الدنيا لا في البرزخ وفيما بعد الموت فيكون المراد بالعذاب الأكبر هو العذاب الأخروي وإليه ينظر قوله تعالى : يصلى النار الكبرى كما سبق.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤١٢
وفي التأويلات النجمية : العذاب الأكبر هو عذاب الاستتار في الدنيا وعذاب نار الهجران في الآخرة إن إلينا إيابهم} تعليل لتعذيبه تعالى بالعذاب الأكبر يقال آب
٤١٨
يؤوب أوبا وآيابا رجع أي إن إلينا رجوعهم بالموت والبعث لا إلى أحد سوانا لا استقلالاً ولا اشتراكاً كما قال تعالى ألا إلى الله تصير الأمور وإليه يرجع الأمر كله فتقديم الخبر للتخصيص والمبالغة فإنه يفيد معنى أن يقال إن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام كما أن مبدأهم وصدورهم كان منه وفيه تخويف شديد فإن رجوع العبد العاصي المصر إلى مالكه الغضوب في غاية الصعوبة ونهاية العسرة وجميع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى من كما إن إفراده فيما سبق باعتبار لفظها ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم﴾ في المحشر لا على غيرنا فنحن نحاسبهم على النقير والقطمير من نياتهم وأعمالهم وثم للرتاخي في الرتبة لا في الزمان فإن الترتب الزماني بين إيابهم وحسابهم لا بين كون إيابهم إليه تعالى وحسابهم عليه تعالى فإنهما أمران مستمران قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله إن إلينا إيابهم في الفضل ثم إن علينا حسابهم في العدل وقال البقلي رحمه الله انظر كيف تفضل بعد الوعيد بأن جعل نفسه مآبهم وتكفل بنفسه حسابهم فينبغي أن يعيشوا بهذين الفضلين أطيب العيش في الدارين ويطيروا من الفرح بهذين الخطابين.


الصفحة التالية
Icon