تعالى إلى جوار رحمته وكان فرعون قد تزوج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت في نفسها كيف يسعني إن أصبر على ما يفعل فرعون وأنا مسلمة وهو كافر بينما هي تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها فقالت يا فرعون أنت شر الخلق واخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها قال فلعلك بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي من جنون وإنما المجنون من يكفر بالله الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وحده لا شريك له وهو على كل شيء قدير فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها باباً إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجنى من فرعون وعمله فقبض الله روحها واسكنها الجنة العالية وقد سبق طرف من هذه القصة في آخر سورة التحريم فارجع ثم في عاد إشارة إلى الطبيعة البشرية وفي ثمود إلى القوة الشهوية وفي فرعون إلى القوة الغضبية فلا بد للسالك من تزكيتها وإزالة آثارها
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٢٠
﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلَـادِ﴾ صفة للمذكورين من الطوائف الثلاث فيكون مجرور المحل لكون بعض المذكورين قبله مجروراً بالباء وبعضها معطوفاً عليه وهو أحسن بحسب اللفظ إذ لا حذف فيه واختار صاحب الكشاف كونه منصوباً على الذم بتقدير أعني لكونه صريحاً في الذم والمقام مقام الذم وهو أحسن نظراً إلى المعنى والمعنى طغى كل طائفة منهم في بلادهم وتجاوزوا الحد يعني طغى عاد في اليمن وثمود بأرض الشأم والقبط بمصر كما أن نمرود طغى بالسواد وقس على هذا سائرهم ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾ أي بالكفر وسائر المعاصي فإن الفساد يتناول جميع أقسام الإثم كما إن الصلاح يتناول جميع أقسام البر فمن عمل بغير أمر الله وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد متجاوز عن الحد الذي حد له وفيه خوف شديد لأكثر حكام الزمان ونحوهم ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ﴾ صب الماء إراقته من أعلى أي أنزل إنزالاً شديداً على كل طائفة من أولئك الطوائف عقيب ما فعلت من الطغيان والفساد ﴿سَوْطَ عَذَابٍ﴾ السوط الجلد المضفور أي المنسوج المفتول الذي يضر به أي عذاباً شديداً لا تدرك غايته وهو عبارة عما حل بكل منهم من فنون العذاب التي شرحت في سائر السور الكريمة وهي الريح لعاد والصيحة لثمود والغرق للقبط وتسميته سوطاً للإشارة إلى أن ذلك بالنسبة إلى ما أعدلهم في الآخرة بمنزلة السوط عند السيف قال أبو حيان استعير السوط للعذاب لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره.
(وقال الكاشفي) : ون عرب ضرب تازيانه راسخت ترين عذابها مى دانستند.
يعني إن السوط عندهم غاية العذاب.
هركونه از عذاب را نيز سوط ميكفتند حق سبحانه بقانون كلام ايشان عذابهاي خودرا سوط كفت قال الشاعر :
ألم تر إن الله أظهر دينه
وصبت على الكفار سوط عذاب
والتعبير عن إنزاله بالصب للإيذان بكثرته واستمراره وتتابعه فإنه عبارة عن إراقة شيء مائع أو جار مجراه في السيلان كالرمل والحبوب وإفراغه بشدة وكثرة واستمرار ونسبته
٤٢٦
إلى السوط مع إنه ليس من ذلك القبيل باعتبار تشبيه في نزوله المتتابع المتدارك على المضروب بقطرات الشيء المصبوب فإن قيل أليس إن الله تعالى قال ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة وهو يقتضي تأخير العذاب إلى الآخرة فكيف الجمع بين هاتين الآيتيتن قلنا إنه يقتضي تأخير تمام الجزاء إلى الآخرة وذلك لا ينافي أن يعجل شيء من ذلك في الدنيا فإن الواقع في الدنيا شيء من الجزاء ومقدماته كذا في "حواشي ابن الشيخ".
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٢٠
يقول الفقير وأوجه من ذلك إن المفهوم من الآية المؤاخذة لكل الناس وهو لا ينافي إن يؤاخذ بعضهم في الدنيا بعذاب الاستئصال كبعض الأمم السالفة المكذبة ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ تعليل لما قله وإيذان بأن كفار قومه عليه السلام سيصيبهم مثل ما أصاب المذكورين من العذاب كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليى ضميره عليه السلام والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الراصدون مفعال من رصده كالميقات من وقته والباء للظرفية أي إنه لفي المكان الذي تترقب فيه السابلة ويجوز أن يكون صيغة مبالغة كالمطعان والباء تجريدية وهذا تمثيل لإرصاده تعالى بالعصاة وإنهم لاي فوتونه شبه حاله تعالى في كونه حفيظ لأعمال العباد مجازياً عليها على النقير والقطمير ولا محيد للعباد عن أن لا يكون مصيرهم إلا الله بحال من قعد على طريق السابلة يترصدهم ليظفر بالجاني أو لأخذ المكس أو نحو ذلك ولا مخلص لهم من العبور إلى ذلك الطريق ثم ستعمل هنا ما كان مستعملاً هناك.
(قال الكاشفي) : حق سبحانه همه رامي بيند ومي شنود وبرو وشيده نيست.
هم نهان داند وهم آنه نهان ترباشد
يعلم السر وأخفى صفت حضرت أوست