لنفس العقبة بل لاقتحامها بتقدير المضاف وذلك لأن العقبة عين والفك فعل فلا يكون تفسيراً للآخر ثم فك الرقبة قد يكون بأن ينفرد الرجل في عتق الرقبة وقد يكون بأن يعطي مكاتبه ما يصرفه إلى جهة فكاك رقبته وبأن يعين في تخليص نفس من قود أو غرم فهذا كله يعم الفك دون الاعتاق ويحتمل أن يكون المراد بفك الرقبة أن يفك المرء رقبة نفسه من عذاب بأن يشتغل بالأعمال الصالحة حتى يصير بها إلى الجنة ويتخلص من النار وهي الحرية الوسطى وإن يفك رقبة القلب من أسر انفس وقيد لهوى وتعلق السوى وهي الحرية الكبرى فيكون قوله أو إطعام الخ من قبيل التخصيص بعد التعميم إشارة إلى مزيد فضل ذلك الخاص بحيث خرج به من أن يتناول اللفظ السابق مع عمومه وقال بعضهم تقدم العتق على الصدقة يدل على أنه أفضل منها كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وفي الحديث من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضواً منه من النار.
قال الراغب : فك الإنسان غيره من العذاب إنما يحصل بعد فك نفسه منه فإن من لم يهتد ليس في قوته إن يهدي وفك الرقبة من قبيل فك النفس لأنه من الأعمال الصالحة التي لها مدخل عظيم في فكها
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٣٣
﴿أَوْ إِطْعَـامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ﴾ أي مجاعة لقحط أو غلاء من سغب إذا جاع قال الراغب السغب الجوع مع التعب وربما قيل في العطش مع التعب فمسغبه مصدر ميمي وكذا مربة ومتربة قيد الإطعام بيوم المجاعة لأن إخراج المال في ذلك الوقت أثقل على النفس وأوجب للأجر ﴿يَتِيمًا﴾ مفعول إطعام ﴿ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ أي قرابة من قرب في النسب قرباً ومقربة وقال السجاوندي قرب قرابه لأ جوار انتهى قيد اليتيم بأن يكون بينه وبين المطعم قرابة نسبية لأنه اجتمع فيه جهتا الاستحقاق اليتم والقرابة فإطعامه أفضل لاشتماله على الصدقة وصلة الرحم ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ أي افتقار من ترب بالكسر ترباً بفتحتين ومتربا إذا افتقر كأنه لصق بلتراب من فقره وضره فليس فوقه ما يستره ولا تحته ما يوطئه ويفرشه وإما قولهم أترب فمعناه صار ذا مال كالتراب في الكثرة كما قبل أثري وعن النبي عليه السلام، في قوله ذا مترتبة الذي مأواه المزابل وقال ابن عباس رضي الله عنهما البعيد التربة يعني الغريب.
(كما قال الكاشفي) : واين نين كس عيال مند بود يا وام دار يابيمار بي خواستار يا غريبي دور ازديار.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٣٣
وفي الحديث الساعي على الأرملة والمسكين كالساعي في سبيل الله وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر يقول الفقير خص الفك والإطعام لصعوبة العمل بهما وجعل الإطعام لليتيم والمسكين لما إن ذلك يثقل على النفس فقد ينفق المرء الوفا في هواه كإطعام أهل الهوى وبناء الأبنية الزائدة ونحو ذلك ولا يستكثرها وإما الفقير واليتيم فلا يراهما بصره لهوانهما عنده وعلى تقدير الرؤية فيصعب عليه إعطاء درهم أو درهمين إو إطعام لقمة أو لقمتين واحتج الشافعي رحمه الله، بهذه الآية على أن المسكين قد يكون بحيث يملك شيئاً وإلا لكال تقييده بقوله ذا متربة تكرارا وهو غير جائز وفيه بحث لجواز أن يكون ذا متربة صفة كاشفة للمسكين وتكون الفائدة في التوصيف بها التصريح بجهة الاحتياج ليتضح إن إطعام الأحوج أفضل والتكرير الذي لا يجوز هو التكرير الخالي عن
٤٣٨


الصفحة التالية
Icon