فزعوا فيذهب كل واحد منهم إلى جهة غير جهة الآخر كالفراش فإنها إذا طارت لا تتجه إلى جهة واحدة بل تختلف جهاتها انتهى.
وفيه إشارة إلى أن السالك الفاني يكون في الشهود الإحدى في الذلة وتفرق الوجهة كالفراش واحقر وأذل لأنه لا قدر ولا وقع له في عين الموحد وتكون الجبال كالعهن المنفوش} العهن الصوف المصبوغ ألواناً والنفش نشر الشعر والصوف والقطن بالأصبع وخلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها قال السجاوندي شبه خفتها بعد رزانتها بالصوف وتلونها بالمصبوغ ومرها بالمندوف واختصاص العهن لألوان الجبال كما قال تعالى : من الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود والمعنى وتكون الجبال كالصوف الملون بالألوان المختلفة المندوف في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو وكلا الأمرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلائق يبدل الله الأرض غير الأرض ويغير هيئاتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئات الهائلة ليشاهدها أهل المشحر وهي وإن اندكت عند النفخة الأولى ولكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ جمع الموزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله أو جمع ميزان وثقلها رجحانها لأن لحق ثقيل والباطل خفيف والجمع للتعظيم أو لأن لكل مكلف ميزاناً أو لاختلاف المزونات وكثرتها قال ابن عباس رضي الله عنهما، إنه ميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه إلا الأعمال ليبين الله أمر العباد بما عهدوه فيما بينهم قالوا توضع فيه صحف الأعمال إظهاراً للمعدلة وقطعاً للمعذرة أو تبرز الأعمال العرضية بصور جوهرية مناسبة لها في الحسن والقبح يعني يؤتى بالأعمال الصالحة على صور حسنة وبالأعمال السيئة على صور سيئة فتوضع في الميزان أي فمن ترجحت مقادير حسناته ﴿فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ من قبيل الإسناد إلى السبب لأن العيش سبب الرضى من منعم العيش وقال بعضهم : راضية أي راض صبها عنها وبالفارسية درزندكاني باشدسنديده.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٩٩
وقد سبق في الحاقة، وفي التأويلات النجمية : فأما من ثقلت له موزونات الأوصاف الإلهية والأخلاق اللاهوتية فهو في راحة واستراحة من نتائج تلك الأوصاف والأخلاق ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ترجحت سيئاته على حسناته وعن ابن مسعود رضي الله عنه يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ﴿فَأُمُّهُ﴾ أي مأواه ﴿هَاوِيَةٌ﴾ هي من أسماء النار سميت بها لغاية عمقها وبعدها مهواها روى أن أهل النار يهوى فيها سبعين خريفاً.
(وقال الكاشفي) : وآن دركه باشذد زير ترين همه دركها وعبر عن المأوى بالأم لأن أهلها يأوون إليها كما يأوى الولد إلى أمه وفيه تهكم به أو لأنها تحيط به إحاطة رحم الأم بالولد أو لأن الأم هي الأصل والكافر خلق من النار وكل شيء يرجع إلى أصله وهو اللائح وفي "الكشاف" من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلاً وحزناً فكأنه قيل فقد هلك وعن قتادة فأم رأسه هاوية في جهنم لأنه يطرح فيها منكوساً وأم الرأس الدماغ أو الجلدة
٥٠٠
الرقيقة التي عليها.
وفي التأويلات النمية : وأما من خفت موازينه بالأخلاق السيئة والأوصاف القبيحة الخبيثة فأصله المجبول عليه هاوية الحجاب من الأزل إلى الأبد وهي نار حامية بنار الجهل والعمى وحطب النفس والهوى ونفخ الشيطان والدنيا وفي لفظ الثقل والخفة إشارة إلى أن العدا والأشقياء مشتركون في فعل السيئة وإن كانت في الفريق الأول مرجوحة قليلة وفي الثاني راجحة كثيرة ولا يرتفع هذا الابتلاء ولذا قال عليه السلام : لعلي رضي الله عنه يا علي إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة وذلك لما إنه مقتضى الاسم الغفور.
اعلم أن ميزان الحق بخلاف ميزان الخلق إذ صعود الموزونات وارتفاعها فيه هو الثقل وهبطها وانحطاطها هو الخفة لأن ميزاته تعالى هو العدل والموزونات الثقيلة أي المعتبرة الراجحة عند الله التي لها قدر ووزن عنده هي الباقيات الصالحات والخفيفة التي لا اعتبار لها عند الله هي الفانيات الفاسدات من اللذات الحسية والشهوات وفي الهاوية إشارة إلى هاوية الطبيعة الجسمانية التي يهوى فيها أهلها وفي الحقيقة الموزونات هي الاستعدادات الغيبية والقابليات العلمية الأزلية المسواة كفتا بكف اليد اليمنى وبكف اليد اليسرى ﴿وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا هِيَهْ﴾ وه يزى دانا كرد تراكه يشت هاوية.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٤٩٩