المشاهدة والمعاينة ﴿عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ أي الرؤية التي هي نفس اليقين فإن علم المشاهدة للمحسوست أقصى مراتب اليقين فلا يدر أن أعلى اليقينيات الأوليات وإنما قيد الرؤية بعين اليقين احترزا عن رؤية فيها غلط الحس فانتصاب عين اليقين على إنه صفة المصدر لترونها وجعل الرؤية التي هي سبب اليقين نفس اليقين مبالغة ﴿ثُمَّ لَتُسْاَلُنَّ يَوْمَااِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قال في "التيسير" كلمة ثم للترتيب في الأخبار لا في الوجود فإن السؤال بأنك أشكرت في تلك النعمة أم كفرت يكون في موقف الحساب قبل دخول النار والمعنى ثم لتسألن يوم رؤية الجحيم وورودها عن النعيم الذي ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه فتعذبون على ترك الشكر فإن الخطاب في لتسألن مخصوص بمن عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع أوقته باللهو والطرف لا يعبأ بالعلم والعمل ولا يحمل على نفسه مشاقهما فإن من تمتع بنعمة الله وتقوى بها بها على طاعته وكان ناهضاً بلشكر فهو من ذلك بمنزل بعيد وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما أكل هو وأصحابه تمراً وشربوا ماء فقال الحمد الذي أطعمنا وسقانا كما في "الكشاف" فدخلت في الآية كفار مكة ومن لحق بهم في وصفهم من فسقة المؤمنين وقيل الآية مخصوصة بالكفار وقال بعضهم : المراد بالنعيم هو الصحة والفراغ وفي الحديث نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ وفي هذا الحديث دلالة عل عظم محل هاتين النعمتين وجلالة خطرهما وذلك لأن بهما يستدرك مصالح الدنيا ويكتسب درجات الآخرة فإن الصحة تنبىء عن اجتماع القوى الذاتية والفراغ يدل على انتظام الأسباب الخارجة المنفصلة ولا قدرة على تمهيد مصلحة من مصالح الدنيا والآخرة إلا بهذين الأمرين ثم سائر النعم يعد من توابعهما وقد قال معاوية بن قرة شدة الحساب القيامة على الصحيح الفارغ يقال له كيف أديت شكرهما وعن الحسن رحمه الله ما سوى كن يؤويه وثوب يواريه وكسرة تقويه يسأل عنه ويحاسب عليه وقال بعض السلف من أكل فسمى وفرغ فحمد لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام وقال رجل للحسن رحمه الله، إن لنا جاراً لا يأكل الفالوذج ويقول لا أقوم بشكره فقال ما أجهل جاركم نعمة الله عليه بالماء البارد أكثر من نعمته بجميع الحلاوي ولذلك قال عليه السلام أول ما يسأل العبد عنه من النعيم ألم نصح جسمك ونروك من الماء البارد وفي "عين المعاني" عن النعم الخمس شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وظلال المساكن واعتدال الخلق وقال ابن كعب النعيم ذات محمد صلى الله عليه وسلّم إذ هو الرحمة والنعمة بالآيتين وهما قوله تعالى :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٠١
﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا﴾، وقوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
وهمه را ازدعوت وملت واتباع سنت أو خواهند رسيد.
ه نعمتيست بزرك ازخداكه برثقلين
سس دارى اين نعمت است فرض العين
يقول الفقير : النعيم إما النعيم جسماني وشكره بمحافظة أحكام الشريعة وإما نعيم روحاني وشكره بمراعاة آداب الطريقة فإنه لما ازدادت المحافظة والمراعاة ازداد النعيم كما قال تعالى : لئن شكرتم لأزيدنكم وما من عضو من الأعضاء وقوة من القوى إلا وهي مطلوبة بنوع شكر
٥٠٤
ولذلك قال تعالى : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً على أن عالم الصفات والأسماء كلها عالم النعيم وفقنا الله وإياكم لشكر النعيم إنه هو البر الرحيم وفي الحديث ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم قالوا ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية في كل يوم قال إما يستطيع أحدكم أن يقرأ إلهاكم التكاثر مرة على ما قال السيوطي رحمه الله في الإتقان إن القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية فإذا تركنا زيادة الآلاف كان الألف سدس القرآن وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن فإنها على ما ذكره الغزالي رحمه الله، ثلاثة مقاصد مهمة وثلاثة متمة واحد المقاصد المهمة معرفة الآخرة المشتمل عليها السورة والتعبير عن هذا المعنى بألف آية افهم وأجل وأصح من التعبير بالسدس انتهى.
يقول الفقير : هذا منتقض بسورة الزلزلة فإنها أيضاً تشتمل على أحكام الآخرة ومعرفتها وقد سبق إنها تعدل نصف القرآن أو ربعه والظاهر إن المراد بالألف التكثير لأن أول السورة مما ينبىء عنه ومن الله التوفيق والإرشاد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٠١


الصفحة التالية
Icon