قادحاً فيها لو وجد للسحر تأثير في أمر يرجع إلى النبوة ولم يوجد ذلك كيف والله تعالى يعصمه من يضره أحد فيما يرجع إليها كما لم يقدح كسر رباعيته يوم أحد فيما ضمن الله له من عصمته في قوله والله يعصمك من الناس وفي "كشف الأسرار" فإن قيل : ما الحكمة في نفوذ السحر وغلبته في النبي عليه السلام، ولماذا لم يرد الله كيد الكائد إلى نرحه بإبطال مكره وسحره قلنا الحكمة فيه الدلالة على صدق رسول الله عليه السلام، وصحة معجزاته وكذب من نسبه إلى السحر والكهانة لأن سحر الساحر عمل فيه حتى التبس عليه بعض الأمر واعتراه نواع من الوجع ولم يعلم النبي عليه السلام بذلك حتى دعا ربه ثم دعا فأجابه الله وبين له ره ولو كان ما يظهر من المعجزات الخارقة للعادات من باب السحر على ما زعم أعداوؤه لم يشتبه عليه ما عمل من السحر فيه ولتوصل إلى دفعه من عنده وهذا بحمد الله من أقوى البراهين على نبوته وإنما أخبر النبي عليه السلام، عائشة رضي الله عنها من بين نسائه بما كشف الله تعالى له من ر السحر لأنه عليه السلام كان مأخوذاً عن عائشة رضي الله عنها، في هذا السحر على ما روى يحيى بن يعمر قال حبس رسول الله عليه السلام، عن عائشة فبينما هو نائم أو بين النوم واليقظة إذا أتاه ملكان جلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فهذا يقول للذي عند رأسه ما شكواه قال السحر، قال : من فعل به قال لبيد بن أعصم اليهودي قال فأين صنع السحر قال في بئر كذا قال فما دواؤه قال ينبعث إلى تلك البئر فينزح ماءها فإنه ينتهي إلى صخرة فإذا رآها فليقلعها فإن تحتها كوبة وهر كوز سقط عنقها وفي الكوبة وترفيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالأبر فيحرقها بالنار فيبرأ إن شاء الله تعالى فاستيقظ عليه السلام، وقد فهم ما قالا فبعث علياً رضي الله عنه إلى آخر ما سبق وعن عائشة رضي الله عنها، قالت كان رسول الله عليه السلام، إذا اشتكى شيئاً من جسده قرأ
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤١
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ والمعوذتين في كفه اليمنى ومسح بها المكان الذي يشتكي وفيه إشارة إلى الهواجس النفسانية والخواطر الشيطانية النفاثات الساحرات في عقد عقائد القلوب الصافية الظاهرة أخباث السيئات العقلية وألواث الشكوك الوهمية والعياذ بالله منها ومن شر حاسد إذا حسد} بالوقف ثم يكبر لأن الوصل لا يخلو من الإيهام أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه ترتيب مقدمات الشر ومبادي الأضرار بالمحسود قولاً أو فعلاً والتقييد بذلك لما أن ضرر الحسد قبله إنما يحيق بالحاسد لا غير وفي "الكشاف" فإن قلت فلم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه قلت عرف النفاثات لأن كل نفاثة شريرة ونكر غاسق لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض وكذلك كل حاسد لا يضر ورب حسد محمود وهو الحسد في الخيرات ويجوز أن يراد بالحاسد قابيل لأنه حسد أخاه هابيل والحسد الأسف على الخير عند الغير وفي "فتح الرحمن" تمنى زوال النعمة عن مستحقها سواء كانت نعمة دين أو دنيا وفي الحديث المؤمن يغبط والمنافق يحسد وعنه عليه السلام الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وأول ذنب عصى الله به في السماء حسد إبليس لآدم فأخرجه من الجنة فطرد وصار شيطاناً رجيماً وفي الأرض قابيل لأخيه هابيل
٥٤٤
فقتله قال الحسين بن الفضل رحمه الله، ذكر الله الشرور في هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليظهر إنه أخبث الطبائع كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.
اكر در عالم از حسد بدتر بودي
ختم اين سوره بدان كردى
حسد آتشى دان كه ون بر فروخت
حسود لعين را همان لحظه سوخت
كرفتم بصورت همه دين شوى
حسدكى كذا ردكه حق بين شوى
وفيه إشارة إلى حسد النفس الأمارة إذا حسدت القلب وأرادت أن تطفىء نور وتوقعه في التلوين وكفران النعمة الذي هو سبب لزوالها وفي الحديث أن النبي عليه السلام قال لعتبة بن عامر رضي الله عنه ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ قوله : ألم تر كلمة تعجب وما بعدها بيان لسبب التعجب يعني لم يوجد آيات كلهن تعويذ غير هاتين السورتين وهما قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وفي الحديث دليل على أنهما من القرآن ورد على من نسب إلى ابن مسعود رضي الله عنه إنهما ليستا منه وفي عين المعاني الصحيح إنهما من القرآن إلا أنهما لمتثبتا في مصحفه للأمن من نستانهما لأنهما تجريان على لسان كل إنسان انتهى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤١
اعلم أن مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حذف منه أم الكتاب والمعوذتان ومصحف أبي بن كعب رضي الله عنه، زيد فيه سورة القنوت ومصحف زيد بن ثابت رضي الله عنه كان سليماً من ذلك فكان كل من مصحفي ابن مسعود أبي منسوخاً ومصحف زيد معمولاً به وذلك لأنه عليه السلام، كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل شهر رمضان مرة واحدة فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه مرتين وكان قراءة زيد من آخر العرض دون قراءة أبي وابن مسعود رضي الله عنهما وتوفي عليه السلام وهو يقرأ على ما في مصحف زيد ويصلى به قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جميع سور القرآن مائة واثنتا عشرة سورة قال الفقيه في البستان إنما قال إنها مائة واثنتا عشرة سورة لأنه كان لا يعد المعوذتين من القرآن وكان لا يكتبهما في مصحفه ويقول إنهما منزلتان من السماء وهما من كلام رب العالمين ولكن النبي عليه السلام كان يرقى ويعوذ بهما فاشتبه عليه إنهما من القرآن أو ليستا منه فلم يكتبهما في المصحف وقال مجاهد جميع سور القرآن مائة وثلاث عشرة سورة وإنما قال ذلك لأنه كان يعد الأنفال والتوبة سورة واحدة، وقال أبي بن كعب رضي الله عنه، جميع سور القرآن مائة وست عشرة سورة وإنما قال ذلك لأنه كان يعد القنوت سورتين إحداهما من قوله اللهم إنا نستعينك إلى قوله من يفجرك والثانية من قوله اللهم إياك نعبد إلى قوله ملحق وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه جميع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة وهذا قول عامة الصحابة رضي الله عنهم وهكذا في مصحف الامام عثمان بن عفان رضي الله عنه وفي مصاحب أهل الأمصار فالمعوذتان سورتان من القرآن روى أبو معاوية عن عثمان بن واقد قال أرسلني أبي إلى محمد بن المنكدر وسأله عن المعوذتين اهما من كتاب الله قال من
٥٤٥
لم يزعم إنهما من كتاب الله فعلية لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وفي نصاب الاحتساب لو أنكر آية من القرآن سوى المعوذتين يكفر انتهى.
وفي الأكمل عن سفيان بن سختان من قال إن المعوذتين ليستا من القرآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضي الله عنه، كما في المغرب للمطرزي وقال في هدية المهديين وفي إنكار قرآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح إنه كفر انتهى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤١