يقول الفقير أيده الله القدير إن الله تعالى إنما بدأ القرآن ببسم الله وختمه بالناس إشارة إلى أن الإنسان آخر المراتب الكونية كما إن الكلام آخر المراتب الآلهية وذلك لأن ابتداء المراتب الكونية هو العقل الأول وانتهاؤها الإنسان ومجموعها عدد حروف التهجي وأول المراتب الآلهية هو الحياة وآخرها الكلام ولذا كان أول ما يظهر من المولود الحياة وهو جنين وآخر ما يظهر منه الكلام وهو موضوع لأن الله تعالى خلق آدم على صورته فكان أول الكلام القرآني اسم الله لأنه المبدأ الأول وآخره الناس لأن الإنس هو المظهر الآخر والمبتدىء يعرج تعلماً إلى أن ينتهى إلى المبدأ الأول واسمه العالي والمنتهي ينزل تلاوة إلى أن ينتهي إلى ذكر الأنس السافل وحقيقته أن الله تعالى هو المبدأ جلاء والمنتهى استجلاء وهو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية.
(روى) عن ابن كثير رحمه الله، إنه كان إذا انتهى في آخر الختمة إلى قل أعوذ برب الناس قرأ سورة الحمد رب العالمين وخمس آيات من أول سورة البقرة على عد الكوفي وهو إلى وأولئك هم المفلحون لأن هذا يسمى حال المرتحل ومعناه إنه حل في قراءته آخر الختمة وارتحل إلى ختمة أخرى إراماً للشيطان وصار العمل على هذا في إمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها وورد النص عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إن من قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء وروى عنه قول آخر بالاستحباب واستحسن مشايخ العراق قراءة سورة الإخلاص ثلاثاً عند ختم القرآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرآن كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله تعالى وعن الامام البخاري رحمه الله إنه قال عند كل ختمة دعوة مستجابة وإذا ختم الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه ومن شك في غفرنه عند الختم فليس له غفران ونص الامام أحمد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف فيدعو بما أحب مستقبل القبلة رافعاً يديه خاضعاًموقناً بالإجابة ولا يتكلف السجع في الدعاء بل يجتنبه ويثنى على الله تعالى قبل الدعاء وبعده ويصلي على النبي عليه السلام يمسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء
٥٥١
وعنه عليه السلام إنه أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يدعو عند ختم القرآن بذا الدعاء وهو اللهم إني أسألك إخبات المخبتين وإخلاص الموقنين ومرافقة الأبرار واستحقاق حقائق الإيمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والخلاص من النار وفي شرح الجزري لابن المصنف ينبغي أن يلح في الدعاء وإن يدعو بالأمور المهمة والكلمات الجامعة وأن يكون معظم ذلك أو كله في أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة أمورهم في توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على أعداء الدين وسائر المخافين وبما كان يقول النبي عليه السلام عند ختم القرآن اللهم ارحمني بالقرآن العظيم واجعله لي إماماً ونوراً وهدى ورحمة اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله حجة لي يا رب العالمين وكان أبو القاسم الشاطبي رحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرآن الهم أنا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء أماتك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو نزلته في شيء من كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا شوفاء صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم وإدارك دار السلام مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.
٥٥٢
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٦
تم الكتاب والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا


الصفحة التالية
Icon