﴿﴾ أي هذه سورة ن أو بحق، وهي هذه السورة اقسم الله بها على سبيل التأكيد في إثبات الحكم على ما عليه عادة الخلق مع ما فيه من بيان عظم شأن المقسم به وإلا فكما إنه تعالى لا يليق القسم بشأنه العالي فكذا لا يصح لغيره أن يكون مقسماً به والنون حرف واحد في الكتابة وثلاثة أحرف في التلفظ وقد قال عليه السلام :"من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف" أراد عليه السلام بالحرف ما يتهجى به فيرجى أن يعطي الله بلفظ ن ثلاثين حسنة لأنه مشتمل في التلفظ على نونين بينهما واو وقال بعضهم هو مفتاح اسم النور والناصر أو قسم بنصرة الله المؤمنين اعتباراً قوله تعالى : وكان علينا نصر المؤمنين وقال سهل قدس سره : النون اسم من أسماء الله تعالى وذلك إنه ٥ا اجتمعت أوائل هذه السورة الثلاث الروحم ون يكون الرحمن وقيل فيه اته اسم من أسماء النبي عليه السلام كما في التكملة لعل هذه القائل أشار إلى قوله عليه السلام :"أول ما خلق الله نوري" فيكون النور اسمه عليه السلام، فإن قلت فيلزم التكرار لأن القلم أيضاً من أسمائه كما قال أول ما خلق الله القلم قلت التغاير في العنوان بمنزلة التغاير في الذات فسمى عليه السلام، باعتبار نورانيته نوراً وباعتبار إنه صاحب القللم قلما كما سمى خالدين وليد رضي الله عنه سيف الله المسلول لكونه صاحب سيف وقال بعضهم : هو لوح من نور أو اسم نهر في الجنة.
(وفي المفردات) النون الحوت العظيم ولذا قال عكرمة في الآية اقسم الله بالحوت الذي لطخ سهم نمرود بدمه لأن نمرود لما روى السهم نحو السماء عاد السهم مختضباً بدم سمكة في بحر معلق في الهواء فأكرم الله ذلك الحوت بأن اقسم به وأحل جنسه من غير ذكاة فإنه لا يحل إلا ميتتان السمك والجراد وفي معناهما ما يستحيل من الأطعمة كدود الفتاح والجبن فإنالاحتراز عنهما غير ممكن فأما إذا أفردت وأكلت فحكمها حكم الذباب والخنفساء والعقرب وكل ما لسي له نفس سائلة ولا سبب في تحريمه إلا الاستقذار ولو لم يكن لكان لا يكره وإن وجد شخص لا يستقذره لا يلتفت إلى خصوص طبعه فإنه التحق بالخبائت لعموم الاستقذار فيكره أكله كما لو جمع المخاط وشربه كره كما في الإحياء يقال : لو أريد به معنى الحوت كانت المناسبة بين المتعاطفين كما في ما بين كم الخليفة والف باذنجانة.
يقول الفقير المناسبة بينهما خفية لا يدركها إلا أهل الحقائق وهي أن كبد الحوت عذاء أهل الجنة قبل كل شيء فيجدون بعد أكله حياة أبدية في أبدانهم كما أن القلم يكتب به من العلوم مافيه حياة باقية لأرواحهم ولذا سمى جبريل روحاً لأنه كان يجبيء بالوحي الذي هو سبب لحياة القلوب والأرواح فيكون ن والقلم كمالماء والعلم ولا شك في ثبوت المناسبة التامة بينهما فالقياس الذي ذكره القائل باطل وقائل الباطل جاهل وقال بعضهم : هو اسم الحوت الذي احتبس يونس عليه السلام، في بطنه ولذا أسماء الله تعالى ذا النون وقال بعضهم هو الحوت الذي على ظهره الأرض وهو في
١٠٠
بحر تحت الأرض السفلي اسمه ليوثاً أو يهموت بالياء المثناة التحتانية وفي عين المعاني لوثيا أو برهوت كما قال علي رضي الله عنه :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٠
مالي أراكم كلكم سكوتا
والله ربي خلق البر هوتا


الصفحة التالية
Icon