والمعنى سنستنزلهم إلى العذاب درجة فدرجة بالإحسان وإدامة الصحة وازدياد النعمة حتى نوقعهم فيه فاستدراج الشخص إلى العذاب عبارة عن هذا الاستنزال والاستدناء ﴿مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي من الجهة التي لا يشعرون إنه استدراج وهو الإنعام عليهم لأنهم يحسونه إيثاراً لهم وتفضيلاً عل المؤمنين وهو سبب لهلاكهم وفي الحديث :"إذا رأيت الله ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم إنه مستدرج" وتلا هذه الآية وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه من وسع عليه دنياه فلم يعلم إنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله.
(وروى) إن رجلاً من بني إسرائيل قال يا رب كم أعصيك ولم أنت لا تعاقبني فأوحى الله إلى نبي زمانه إن قل له كم من عقوبة لي عليك وإن لا تشعر كونها عقوبة إن جمود عينك وقساوة قلبك استدراج مني وعقوبة لو عقلت قال بعض المكاشفين من المكرا الإلهي بالعبد أن يرزق العلم ويحرم العمب به أو يرزق العمل وبحرم الإخلاص فيه فمن علم اتصافه بهذا من نفسه فليعلم إنه ممكور به وأخفى ما يكون المكر الإلهي في المتأولين من أهل الاجتهاد وغيرهم ومن يعقتد أن كل مجتهد مصيب يدعو الناس على بصيرة وعلم قطعي وكذلك مكر الله بالخاصة خفي مستور في إبقاء الحال عليهم وتأييدهم
١٢٤
بالكرامات مع سوء الأدب الواقع منهم فتراهم يتلذذون بأحوالهم ويهجمون على الله في مقام الإدلال وما عرفوا ما ادخر لهم من المؤاخذات نسأل الله العافية وقال بعض العارفين مكر الله في نعمه أخفى منه في بلائه فالعاقل من لا يأمن مكر الله في شيء وأدنى مكر بصاحب النعمة الظاهرة أو الباطنة إنه يخطر في نفسه إنه مستحق لتلك النعمة وإنها من أجل إكرامه خلقت ويقول إن الله ليس بمحتاج إليها فهي لي بحكم الاستحقاق وهذا يقع فيه كثيراً من لا تحقق عنده من العارفين لأن الله إنما خلق الأشياء بالأصالة لتسبح بحمده وإما انتفاع عباده بها فبحكم التبعية لا بالأول وقال بعض المحققين كل علم ضروري وده العبد في نفسه من غير تعمل فكر فيه ولا تدبر فهو عطاء من الله لوليه الخاص بلا واسطعة ولكن لا عيرف إن ذلك من الله إلا الكمل من الرجال ويحتاج صاحب مقام الفتوح إلى ميزان دقيق لأنه قد يكون في الفتوح مكر خفي واستدراج ولذلك ذكره تعالى في القراء على نوعين بركات وعذاب حتى لا يفرح العاقل بالفتح قال تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ﴾ وقال تعالى : فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد وتأمل قول قوم عاد هذا عارض ممطرنا لما حجبتهم العادة فقيل لم بل هو ما استعجتلم به ريح فيها عذاب أليم.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٠٠
واعلم إن كل فتح أعطاك أدباً وترقيا فليس هو بكر بل عناية من الله لك وكل فتح أعطى العبد أحوالاً وكشفاً وإقبالاً من الحق فلحذر منه فإنه نتيجة عجلت في غيره موطنها فينقلب صاحبها إلى الدار اُرة صفر اليدين نسأل الله اللطف قال أبو الحسين رضي الله عنه المستدرج سكران والسكران لا يصل إليه ألم فجع المعصية الأبعد إفاقته فإذا أفاقوا من سكرتهم خلص ذلك إلى قلوبهم فانزعجزا ولم يطمئنوا والاستدراج هو السكون إلى اللذات والتنعم بالنعمة ونسيان ما تحت النعم من المحن والاغترار بحلم الله تعالى وقال أبو سعيد الخراز قدس سره الاستدراج فقدان اليقين فالمستدرج من فقد فوائد باطنه واشتغال بظاهره واستكثر من نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنة وقال بعضهم : بالاستدراج تعرف العقوبة ويخاف المقت وبالانتباه تعرف النعمة ويرجى القرب وأملى لهم} الإملاء مهلت دادن.
أي وأمهلهم بإطالة العمر وتأخير الأجل ليزدادوا إثماً وهم يزعمون إن ذلك لإرادة الخير بهم ﴿إِنَّ كَيْدِى﴾ أي أخذي بالعذاب ﴿مَتِينٌ﴾ قويشديد لا يطاق ولا يدفع بشيء وبالفارسية وبدرستى كه عقوبت من محكم است بهر يزى دفعنشود وكرفتن من سخت است كس را طاقت آن نباشد.
وفي الكشاف سمى إحسانه وتمكينه كيدا كما سماء استدراجاً لكونه في صورة الكيد حيث كان سبباً للتورط في الهلكة ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك قال بعضهم الكيد إظهار النفع وإبطان الضر للمكيد وفي المفردات الكيد ضرب من الاحتيال وقد يكون محموداً ومذموماً وإن كان يستعمل في المذموم أكثر وكذلك الاستدراج والمكر ولكون بعض ذلك محموداً قال تعالى : ذلك كدنا ليوسف قال بعضهم : أراد بالكيد العذاب والصحيح إنه الإمهال المؤدي إلى العذاب انتهى.
وفي التعريفت الكيد ارادة مضرة الغير خفية وهو من الخلق الحيلة السيئة ومن الله التدبير بالحق لمجازاة أعمال الخلق ﴿أَمْ تَسْـاَلُهُمْ﴾ آيا مبطلي
١٢٥
از ايشان بر ابلاغ وارشاد ودعوت ايمان وطاعت.


الصفحة التالية
Icon