ـ حكي ـ أن حية أتت رجلاً صالحاً فقالت : أجرني من عدوي أجارك الله ففتح لها رداءه فقالت : يراني فيه فإن أردت المعروف فافتح فاك حتى أدخل فيه فقال : أخشى أن تهلكيني قالت : لا والله والله وسكان سمواته وأرضه شاهدة على ذلك ففتح فاه فدخلت ثم عارضه رجل في ذلك فأنكر فلما اندفع خوفها قالت : يا أحمق اختر لنفسك كبدك أو فؤادك فقال : أين العهد واليمين قالت : ما رأيت أحمق منك إذ نسيت العداوة التي بيني وبين أبيك آدم وما الذي حملك على اصطناع المعروف مع غير أهله فقال : مهليني حتى آتي تحت هذا الجبل ثم توجه إلى الله فظهر رجل حسن الوجه طيب الرائحة وأعطاه ورقة خضراء وأمره بالمضغ ففعل فلم يلبث إلا خرج قطع الحية من الأسفل فخلصه الله تعالى من شرها ثم سأل من أنت؟ فقال : أنا المعروف وموضعي في السماء الرابعة وأنت لما دعوت الله ضجت الملائكة في السموات السبع إلى الله فانطلقت إلى الجنة وأخذت من شجرة طوبى ورقة بأمر الله فاصنع المعروف فإنه لا يضيع عند الله وإن ضيعه المصطنع إليه.
نكو كارى ازمردم نيك رأى
يكى را بده مى نويسد خداي
ومما يكتب من الصدقة الكلمة الطيبة والشفاعة الحسنة والمعونة في الحاجة وعيادة المريض وتشييع الجنازة وتطييب قلب مسلم وغير ذلك.
واعلم أن الرجال في الحقيقة أقوياء الطلبة والسلاك فلهم نصيب بقدر صدقهم في الطلب ورجوليتهم في الاجتهاد مما ترك المشايخ والإخوان في الله والأعوان على الطلب وتركتهم بركنهم وسيرتهم في الدين وأنوار هممهم العلية ومواهب ولايتهم السنية والنساء ضعفاء القوم فلهم أيضاً نصيب مفروض أي قدر معلوم على وفق صدق التجائهم إليه وجدهم في الطلب وحسن استعدادهم لقبول فيض الولاية وهذا حال المجتهدين الذين هم ورثة المشايخ كما أنهم ورثة الأنبياء فأما المنتمون إلى ولايتهم بالإرادة وحسن الظن والمقتبسون من أنوارهم والمقتفون على آثارهم والمشبهون بزيهم والمتبركون بهم على تفاوت درجاتهم فهم بمثابة أولى القربى واليتامى والمساكين إذا حضروا القسمة عند محافل صحبتهم ومجامع سماعهم ومجالس ذكرهم فإنها مقاسم خيراتهم وبركاتهم فارزقوهم منه أي من مواهب ولايتهم وآثار هدايتهم وإعطاف عنايتهم وإلطاف رعايتهم وقولوا
١٦٩
لهم قولاً معروفاً في التشويق وإرشاد الطريق والحث على الطلب والتوجه إلى الحق والإعراض عن الدنيا وتقرير هوانها على الله وخسارة أهلها وعزة أهل الله في الدارين وكمال سعادتهم في المنزلين فإذا وقفت على هذا فاجتهد حتى لا تحرم من ميراثه الحقيقة ونصيب المعرفة ونعم ما قيل :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٨
ميراث در خواهي تو علم در آموز
كين مال در خرح توآن كردبده روز
رزقنا الله وإياكم ثمرات الأحوال وبلغنا إلى تصفية الباطن وإصلاح البال.
﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ﴾ صفتهم وحالهم أنهم ﴿لَوْ تَرَكُوا﴾ أي : لو شارفوا أن يتركوا ﴿مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أي : بعد موتهم ﴿ذُرِّيَّةً ضِعَـافًا﴾ أولاداً عجزة لا غنى لهم وذلك عند احتضارهم ﴿خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ أي : الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم والفقر والتكفف والمراد بالذين هم الأوصياء أمروا أن يخشوا الله فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى وليشفقوا عليهم خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافاً وشفقتهم عليهم وأن يقدروا ذلك في أنفسهم ويصوروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة ﴿فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ﴾ في ذراري غيرهم ﴿وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا﴾ أي : وليقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب والترهيب ويدعوهم بيا بني ويا ولدي ولا يؤذوهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَـامَى ظُلْمًا﴾ ظالمين أو على وجه الظلم من أولياء السوء وقضاته وإنما قيد به لأنه إذا أكل منه بالمعروف عند الحاجة أو بما قدر له به القاضي بقدر عمله فيه لم يعاقب عليه ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ﴾ أي : ملىء بطونهم يقال : أكل في بطنه إذا ملأه وأسرف وفي معاه إذا اقتصد فيه ﴿نَارًا﴾ أي : ما يجر إلى النار ويؤدي إليه فكأنه نار في الحقيقة ﴿وَسَيَصْلَوْنَ﴾ أي : سيدخلون يوم البعث ﴿سَعِيرًا﴾ أي : ناراً مسعرة أو هائلة مبهمة الوصف.
ـ روي ـ أن آكل مال اليتيم يبعث يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وانفه وأذنيه وعينيه ويعرف الناس أنه كان يأكل مال اليتيم في الدنيا.
ـ وروي ـ أنه لما نزلت هذه الآية ثقل ذلك على الناس فاحترزوا عن مخالطة اليتامى بالكلية فصعب الأمر على اليتامى فنزل قوله تعالى :﴿وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ (البقرة : ٢٢٠) الآية وفي الحديث قال النبي عليه السلام :"رأيت ليلة أسري بي قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل إحداهما قالصة على منخريه والأخرى على بطنه وخزنة جهنم يلقمونه جمر جهنم وصخرها فقلت : يا جبريل من هؤلاء قال الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٨
كسى كز صرصر ظلمش دمادم