قال بعضهم : كل ما لا يؤمن من الهلاك مع الجهل فطلب علمه فرض عين سواء كان من الأمور الإعتقادية كمعرفة الصانع وصفاته وصدق النبي عليه السلام في أقواله وأفعاله أو من الأعمال الحسنة المتعلقة بالظاهر كالصلاة والصوم وغيرهما أو بالباطن كحسن النية والإخلاص والتوكل وغيرها أو من السيئة المتعلقة بالظاهر كشرب الخمر وأكل الربا والنظر إلى أجنبية بشهوة أو بالباطن كالكبر والعجب والحسد وسائر الأخلاق الرديئة للنفس فإن معرفة هذه الأمور فرض عين يجب على المكلف طلبها وإن لم يأذن له أبواه وأما ما سواها من العلوم فقيل : لا يجوز له الخروج لطلبه إلا بإذنهما.
وفي "فتاوي قاضي خان" : رجل طلب العلم وخرج بغير إذن والديه فلا بأس به ولم يكن عقوقاً قيل هذا إذا كان ملتحياً فإذا كان أمرد صبيح الوجه فلأبويه أن يمنعاه.
وأما حق الولد على الوالد فكالتسمية باسم حسن كأسماء الأنبياء والمضاف إلى اسمه تعالى لأن الإنسان يدعى في الآخرة باسمه واسم أبيه قال عليه السلام :"إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم" ولذا قيل : يستحب تغيير الأسماء القبيحة المكروهة فإن النبي صلى الله عليه وسلّم سمي المسمى بالعاصي مطيعاً.
وجاء رجل اسمه المضطجع فسماه المنبعث.
ومن حقه عليه الختان وهو سنة.
واختلفوا في وقته قيل : لا يختن حتى يبلغ لأنه للطهارة ولا طهارة عليه حتى يبلغ وقيل إذا بلغ عشراً أو قيل تسعاً والأولى تأخير الختان إلى أن يثغر الولد ويظهر سنه لما فيه من مخالفة اليهود لأنهم يختنون في اليوم السابع من الولادة.
ومن حقه أن يرزقه بالحلال الطيب وأن يعلمه علم الدين ويربيه بآداب السلف الصالحين، قال الشيخ سعدي قدس سره في حق الأولاد :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٨
بخردى درش زجر وتعليم كن
به نيك وبدش وعده وبيم كن
بياموز رورده رادست رنج
وكردست داري وقارون كنج
بايان رسد كيسه سيم وزر
نكردد تهى كيسه يسه يشه ور
ـ وروى ـ أنس رضي الله عنه عن النبي عليه السلام قال :"يعق عنه في اليوم السابع ويسمى ويماط عنه الأذى فإذا بلغ ست سنين أدب وإذا بلغ سبع سنين عزل فراشه وإذا بلغ عشر سنين ضرب عن الصلاة وإذا بلغ ست عشرة زوجه أبوه ثم أخذ بيده وقال : قد أدبتك وعلمتك وأنكحتك أعوذ بالله من فتنتك في الدنيا وعذابك في الآخرة".
والحاصل أنه ينبغي أن لا يعتمد الإنسان على رأي نفسه بل يكل أمره إلى الله فإنه أعلم وأرحم.
والإشارة في الآيات أن المشايخ للمريدين
١٧٣
بمثابة الآباء للأولاد فإن الشيخ في قومه كالنبي في أمته على ما قاله عليه السلام وقال صلى الله عليه وسلّم "أنا لكم كالوالد لولده" ففي قوله :﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ الآية إشارة إلى وصايات المشايخ والمريدين ووراثتهم في قرابة الدين لقوله تعالى :﴿أولئك هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ (المؤمنون : ١٠) فكما أن الوراثة الدنيوية بوجهين بالسبب والنسب فكذلك الوراثة الدينية بهما.
أما السبب فهو الإرادة ولبس خرقتهم والتبرك بزيهم والتشبه بهم.
وأما النسب فهو الصحبة معهم بالتسليم لتصرفات ولايتهم ظاهراً وباطناً بصدق النية وصفاء الطوية مستسلماً لأحكام التسليك والتربية ليتوالد السالك بالنشأة الثانية فإن الولادة تنقسم على النشأة الأولى وهي ولادة جسمانية بأن يتولد المرء من رحم الأم إلى عالم الشهادة وهو الملك والنشأة الثانية وهي ولادة روحانية بأن يتولد السالك من رحم القلب إلى عالم الغيب وهو الملكوت كما حكي النبي عليه السلام عن عيسى عليه السلام أنه قال :(لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين) فالشيخ هو الأب الروحاني والمريدون المتولدون من صلب ولايته هم الأولاد الروحانيون وهم فيما بينهم أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله كقوله تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وقال عليه السلام :"الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد" ولهذا قال عليه السلام :"كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي" لأن نسبه كان بالدين كما سئل من النبي صلى الله عليه وسلّم من آلك يا رسول الله؟ قال :"آلي كل مؤمن تقي" وإنما يتوارث أهل الدين على قدر تعلقاتهم السببية والنسبية والذكورة والأنوثة والاجتهاد وحسن الاستعداد وإنما مواريثهم العلوم الدينية واللدنية كما قال صلى الله عليه وسلّم "العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر"، قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٨
ون كرفتي يرهين تسليم شو
همو موسى زير حكم خضررو
كرتوسنك وصخره ومرمر شوي
ون بصاحب دل رسى كوهر شوينار خندان باغ را خندان كند
صحبت مردانت از مردان كند
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٨