خريدارت بنامش كس ببازار
عصمنا الله وإياكم من الركون إلى الدنيا وموت القلب بالإصرار على الهوى في الصبح والمساء.
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـاَاتِ﴾ أي الذنوب ﴿حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ﴾ أي وقع في سكرات الموت وشاهد ملك الموت سوى علاماته فإن التوبة تقبل فيها ﴿قَالَ﴾ عند النزع ومشاهدة ما فيه ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ﴾ من ذنوبي يعني لا يقبل التوبة منه ثمة لأنها حالة الاضطرار دون حالة الاختيار ﴿وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ﴾ عطف على الذين يعملون السيآت أي ليست التوبة للذين ماتوا ﴿وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ مصرون على كفرهم إذا تابوا عند قرب الموت أو عند معاينة العذاب في الآخرة ﴿أولئك﴾ أي الفريقان ﴿أَعْتَدْنَا﴾ أصله أعددنا أبدلت الدال الأولى تاء ﴿لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ أي هيأنا لهم عذاباً وجيعاً دائماً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
اعلم أن الله تعالى سوى بين من سوف التوبة وأخرها إلى حضور الموت من الفسقة وبين من مات على الكفر في نفي التوبة للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة كأنه قال : توبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء في أنه لا توبة لهم لأن حضرة الموت أول أحوال الآخرة فكما أن الميت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين فكذلك المسوف إلى حضرة الموت لعدم محلها وتلك التسوية لكيلا يهمل المذنب في أمر التوبة ولا يتأهل العاقل في المسارعة إلى طلب المغفرة، قال جلال الدين رومي قدس سره :
كرسيه كردي تونامة عمر خويش
توبه كن زانهاكه كردستي تويشتوبه آرند وخدا توبه ذير
امر او كيرند واو نعم الأمير وإذا هب من الله رياح العناية تجد العبد يسرع إلى التوبة ويمد نفسه إلى أسبابها ويتأثر بشيء يسير فيتوب عن قبح معاملته.
قال أبو سليمان الداراني : اختلفت إلى مجلس قاص فأثر في قلبي كلامه فلما قمت لم يبق في قلبي شيء فعدت ثانياً فبقي أثر كلامه في قلبي حتى رجعت إلى منزلي وكسرت آلة المخالفات ولزمت الطريق فحكي هذه الحكاية ليحيى بن معاذ فقال : عصفور اصطاد كركيا أراد بالعصفور ذلك القاص وبالكركي أبا سليمان :
مرد بايد كيرداندر كوش
ورنوشته اسد ند برديوار
قال تعالى :﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ (آل عمران : ١٣٣) فمسارعة المذنب بالتوبة وترك الإصرار والرجوع إلى باب الملك الغفار ومسارعة المطيع بالاجتناب عن السيآت وزيادة الخيرات والحسنات قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"صاحب اليمين أمين على صاحب الشمال فإذا عمل العبد حسنة يكتب له صاحب اليمين عشراً" :
١٨٠
نكو كاري از مردم نيك رأى
يكى رابده مي نويسد خداي
"وإذا عمل سيئة وأراد صاحب الشمال أن يكتب قال صاحب اليمين امسك فيمسك ست ساعات أو سبع ساعات فإن استغفر فيها فلم يكتب عليه وإن لم يستغفر كتب سيئة واحدة" فالواجب على كل مسلم أن يتوب إلى الله حين يصبح وحين يمسي ولا يؤخرها.
قال أبو بكر الواسطي قدس سره التأني في كل شيء حسن إلا في ثلاث خصال عند وقت الصلاة وعند دفن الميت والتوبة عند المعصية وكان في الأمم الماضية إذا أذنبوا حرم عليهم حلال وإذا أذنب واحد منهم ذنباً وجد على بابه أو على جبهته مكتوباً أن فلان ابن فلان قد أذنب كذا وتوبته كذا فسهل الله الأمر على هذه الأمة فقال :﴿وَمَن يَعْمَلْ سُواءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَه ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (النساء : ١١٠).
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦
ـ روي ـ أن الله لما لعن إبليس سأله النظرة فانظره أي أمهله إلى قيام الساعة فقال انظر ماذا ترى؟ فقال : وعزتك لا أخرج من صدر عبدك حتى تخرج نفسه فقال الرب : وعزتي وجلالي لا أحجب التوبة عن عبدي حتى تخرج نفسه فانظر إلى رحمة الله ورأفته على عباده أنه سماهم مؤمنين بعدما أذنبوا فقال :﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (النور : ٣١) وأحبهم بعد التوبة فقال :﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة : ٢٢٢)، قال الحافظ قدس سره :
بمهلتي كه سهرت دهد زراه مرو
تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كفت
فينبغي أن لا يغتر الإنسان بشيء من الأشياء في حال من الأحوال فإنه وإن كان يمهل ولكن لا يهمل فإن الموت يجيء البتة إذا فنى العمر وامتلأ الإناء.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٦