فعليك بقطع التعلق من الأغيار وبالاقتداء بهدي الأنبياء الأخيار قال خليل الله عليه السلام :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّى إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (الشعراء : ٧٧) ومن موالاة الكفار المواكلة معهم بغير عذر اقتضاها.
ومن القول الشنيع أن يقال لهم جلبي كما يقول لهم سفهاء زماننا فإن معنى جلبي منسوب إلى جلب وجلب اسم الله تعالى وهم ناري دون نوري فكيف يصح نسبتهم إلى الله والعياذ بالله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩
﴿يَوْمٍ﴾ منصوب بتود ﴿تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ أي : من النفوس المكلفة ﴿مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا﴾ عندها بأمر الله تعالى ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِن سُواءٍ﴾ عطف على ما عملت والإحضار معتبر فيه أيضاً إلا أنه خص بالذكر في الخير للإشعار بكون الخير مراداً بالذات وكون إحضار الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية ﴿تَوَدُّ﴾ أي : تحب وتتمنى يوم تجد صحائف أعمالها من الخير والشر أو أجزيتها محضرة ﴿لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ﴾ أي : بين النفس وبين ذلك اليوم وهوله أو بين العمل السوء ﴿أَمَدَا بَعِيدًا﴾ أي : مسافة واسعة كما بين المشرق والمغرب ولم تحضر ذلك اليوم أو لم تعمل ذلك السوء قط ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ أي : يقول الله إياكم ونفسي يعني احذروا من سخطي وهو تكرير لما سبق ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه ﴿وَاللَّهُ رَءُوفُا بِالْعِبَادِ﴾ يعني أن تحذيره نفسه وتعريفه حالها من العلم والقدرة من الرأفة العظيمة بالعباد لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة وحذروه دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه فيحذرهم تحذير الوالد المشفق ولده عما يوبقه.
٢١
قال القشيري رحمه الله : هذا للمستأنفين وقوله :﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ للعارفين أولئك أصحاب التخفيف والتسهيل وهؤلاء أصحاب التخويف والتهويل ونظيره بشر المذنبين وانذر الصديقين فالله تعالى يمهل ولا يهمل فيجب أن لا يغتر العبد بإمهاله بل يتأهب ليوم حسابه وجزائه :
در خير بازاست وطاعت وليك
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١
نه هركس تواناست بر فعل نيك
واعلم أن ما يعمله الإنسان أو يقوله ينتقش في صحائف النفوس السماوية وإذا تكرر صار ملكة راسخة لكنه مشغول عن تلك الهيآت الثابتة في نفسه ونقوشها بالشواغل الحسية والوهمية والفكرية فإذا فارقت النفس الجسد وقامت قيامتها وجدت ما عملت من خير وشر محضرا لارتفاع الشواغل المانعة كقوله تعالى :﴿أَحْصَا هُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ (المجادلة : ٦) فإن كان شراً تتمنى البعد فيما بينها وما بين ذلك اليوم أو ذلك العمل لتعذبها به فتصير تلك الهيآت صورتها إن كانت راسخة والا صورة تعذبها وتعذبت بحسبها ومن الله العصمة، قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره :
هر خيالي كو كند در دل وطن
روز محشر صورتي خواهد شدنسيرتي كان در وجودت غالب است