من التنازع وأصلح ﴿وَأَحْسَنُ﴾ في نفسه ﴿تَأْوِيلا﴾ أي عاقبة ومآلا.
ودلت الآية على أن طاعة الأمراء واجبة إذا وافقوا الحق فإذا خالفوه فلا طاعة لهم قال صلى الله عليه وسلّم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقال صلى الله عليه وسلّم "من عامل الناس فلم يظلمهم ومن حدثهم فلم يكذبهم ومن وعدهم فلم يخلفهم فهو من كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته" ولا بد للأمراء من خوف الله وخشيته بأجراء الشرائع والأحكام واتباع سنن النبي عليه السلام حتى يملأ الله قلوب الناظرين إليهم رعباً وهيبة فحينئذٍ لا يحتاجون إلى محافظة الصورة والهيئة الظاهرة.
ـ روي ـ إن كلب الروم أرسل إلى عمر رضي الله عنه هدايا من الثياب والجبة فلما دخل الرسول إلى المدينة قال : أين دار الخليفة وبناؤه فقيل ليس له دار عظيم كما توهمت إنما له بيت صغير فدلوه عليه فأتاه فوجد له بيتاً صغيراً حقيراً قد اسود بابه لطول الزمان فطلبه فلم يصادفه وقيل : إنه خرج إلى السوق لحاجته وحوائج المسلمين أي : للاحتساب فخرج الرسول إلى طلبه فوجده نائماً تحت ظل حائط قد توسد بالدرة فلما رآه قال عدلت فأمنت فنمت حيث شئت وأمراؤنا ظلموا فاحتاجوا إلى الحصون والجيوش، قال السعدي قدس سره :
ادشاهي كه طرح ظلم افكند
اي ديوار ملك خويش بكند
نكند جور يشه سلطاني
كه نيايد زكرك وباني
ومن كلام أردشير : الدين أساس الملك والعدل حارسه فما لم يكن له أس فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع.
ـ وروي ـ أي أنوشروان كان له عامل على ناحية فكتب إليه يعلمه بوجودة الريع ويستأذنه في الزيادة على الرسول فامسك عن إجابته فعاوده العامل في ذلك فكتب إليه قد كان في ترك إجابتك ما حسبتك تنزجر به عن تكليف ما لم تؤمر به فإذن قد أبيت إلا تمادياً في سوء الأدب فاقطع إحدى أذنيك واكفف عما ليس من شأنك فقطع العامل إذنه وسكت عن ذلك الأمر وبالجملة فالظلم عار وجزاؤه نار والاجتناب منه واجب على كل عاقل وإذا كان نية المؤمن العدل فليجانب أهل الظلم وليجتنب عن إطاعتهم فإن الإطاعة لأهل الحق لا لغيرهم قال عليه السلام :"من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير العادل فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٦
واعلم أن الولاة إنما يكونون على حسب أعمال الرعايا وأحوالهم صلاحاً وفساداً.
ـ روي ـ أنه قيل للحجاج بن يوسف : لِمَ لا تعدل مثل عمر وأنت قد أدركت خلافته أفلم ترَ عدله وصلاحه؟ فقال في جوابهم : تباذروا أي : كونوا كأبي ذر في الزهد والتقوى أتعمر لكم أي أعاملكم معاملة عمر في العدل والإنصاف وفي الحديث "كما تكونون يولي عليكم أحدكم" يعني : إن تكونوا صالحين وإن تكونوا طالحين فيجعل وليكم رجلاً صالحاً وإن تكونوا طالحين فيجعل وليكم رجلاً طالحاً.
ـ وروي ـ أن موسى عليه السلام ناجى ربه فقال : يا رب ما علامة رضاك من سخطك فأوحى إليه (إذا استعملت على الناس خيارهم فهو علامة رضايي، وإذا استعملت شرارهم فهو علامة سخطي).
ثم اعلم بأن المراد بأولى الأمر في الحقيقة المشايخ الواصلون ومن بيده أمر التربية فإن أولي أمر المريد شيخه في التربية فينبغي للمريد في كل وارد حق يدق باب قلبه أو إشارة أو إلهام أو واقعة تنبىء عن أعمال أو أحوال في حقه أن يضرب على محك نظر شيخه فما يرى فيه الشيخ من المصالح ويشير إليه أو يحكم عليه يكون
٢٢٩
منقاداً لأوامره ونواهيه لأنه أولوا أمره.
وأما الشيخ فأولوا أمره الكتاب والسنة فينبغي له أن ما سنح له من الغيب بوارد الحق من الكشوف والشواهد والأسرار والحقائق يضرب على محك الكتاب والسنة فما صدقاه ويحكمان عليه فيقبله وإلا فلا لأن الطريقة مقيدة بالكتاب والسنة كذا ذكره الشيخ الكامل نجم الدين في تأويلاته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٦


الصفحة التالية
Icon