وكان خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلّم إشارة إلى عصمته من وسوسة الشيطان لأن الخناس يجيىء من بين الكتفين فيدخل خرطومه قبل قلب الإنسان فيوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس وراءه وكان حول خاتم النبوة شعرات مائلة إلى الخضرة مكتوب عليه (محمد نبي أمين) وقيل غير ذلك والتوفيق بين الروايات بتعدد الخطوط وتنوعها بحسب الحالات والتجليات أو بالنسبة إلى أنظار الناظرين، ثم إنه قد اتفق أهل العلم على أفضلية شهر رمضان لأنه أُنزِل فيه القرآن ثم شهر ربيع الأول لأنه مولد حبيب الرحمن.
وأما أفضل الليالي فقيل ليلة القدر لنزول القرآن فيها، وقيل ليلة المولد المحمدي لولاه ما أنزل القرآن ولا تعينت ليلة القدر فعلى الأمة تعظيم شهر المولد وليلته كي ينالوا منه شفاعته ويصلوا إلى جواره.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٩
﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ لأنه في الحقيقة مبلغ والآمر هو الله تعالى.
ـ روي ـ أنه عليه السلام قال :"من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله" فقال المنافقون لقد قارف الشرك وهو ينهى عنه ما يريد إلا أن نتخذه رباً كما اتخذت النصارى عيسى فنزلت ﴿وَمَن تَوَلَّى﴾ أي : أعرض عن طاعته ﴿فَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
قوله حفيظاً حال من كاف أرسلناك
٢٤٣
وعليهم متعلق بحفيظاً ﴿وَيَقُولُونَ﴾ إذا أمرتهم بأمر ﴿طَاعَةٌ﴾ أي : أمرنا وشأننا طاعة ﴿فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ﴾ أي : خرجوا ﴿بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِى تَقُولُ﴾ أي : زورت خلاف ما قلت لها يا محمد فالضمير للخطاب أو ما قالت لك من ضمان الطاعة فالضمير للغيبة واشتقاق البيت من البيتوتة ولما كان غالب الأفكار التي يستقصي فيها الإنسان واقعاً في الليل إذ هناك يكون الخاطر أصفى والشواغل أقل سمي الفكر المستقصي مبيتاً ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ يثبته في صحائف أعمالهم للمجازاة ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ قلل المبالاة بهم ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ في الأمور كلها سيما في شأنهم ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا﴾ يكفيك معرتهم وينتقم لك منهم إذا قوي أمر الإسلام وعز أنصاره.
والوكيل هو العالم بما يفوض إليه من التدبير ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٣
يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه وأصل التدبير النظر في أدبار الشيء وما يؤول إليه في عاقبته ومنتهاه ثم استعمل في كل تأمل ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ﴾ أي : ولو كان من كلام البشر كما زعم الكفار ﴿لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَـافًا كَثِيرًا﴾ من تناقض المعنى وتفاوت النظم وكان بعضه فصيحاً وبعضه ركيكاً، وبعضه يصعب معارضته وبعضه يسهل ومطابقة بعض أخبار المستقبلة للواقع دون بعض وموافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية.
وهل يجوز أن يقال بعض كلام الله أبلغ من بعض؟ قال الإمام السيوطي في "الإتقان" : جوزه قوم لقصور نظرهم فينبغي أن يعلم أن معنى قول القائل هذا الكلام أبلغ من هذا الكلام أن هذا في موضعه له حسن ولطف وبلاغة وذاك في موضعه له حسن ولطف وهذا الحسن في موضعه أكمل وأبلغ من ذلك في موضعه فلا ينبغي أن يقال أن ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص : ١) أبلغ من ﴿تُبْتُ﴾ بل ينبغي أن يقال ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ﴾ دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه؟ وكذلك في ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص : ١) لا توجد عبارة تدل على وحدانيته أبلغ منها فالعالم إذا نظر إلى ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ﴾ في باب الدعاء بالخسران ونظر إلى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الآخر.
وقال بعض المحققين : كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره فـ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أفضل من ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ﴾ لأن فيه فضيلة الذكر وهو كلام الله وفضيلة المذكور وهو اسم ذاته وتوحيده وصفاته الإيجابية والسلبية وسورة تبت فيها فضيلة الذكر فقط وهو كلام الله تعالى.
قال الغزالي في "جوهر القرآن" : ومن توقف في تفضيل الآيات أوَّل قوله عليه السلام : أفضل سورة وأعظم سورة بأنه أراد في الأجر والثواب لا أن بعض القرآن أفضل من بعض فالكل في فضل الكلام واحد والتفاوت في الأجر لا في كلام الله تعالى من حيث هو كلام الله القديم القائم بذاته تعالى انتهى.
يقول الفقير جامع هذه المجالس النفيسة : قولهم إن هذه الآية في غاية الفصاحة كما قال القاضي عند قوله تعالى :﴿وَقِيلَ يا اأَرْضُ ابْلَعِى مَآءَكِ﴾ (هود : ٤٤) الآية يشعر بجواز القول بالتفاوت في طبقات الفصاحة كما عليه علماء البلاغة ومن هنا، قال من قال :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٣