﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا﴾ فلم ورد ذلك بنفي الجناح.
قلت : لما أنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة أن يخطر ببالهم أن عليهم نقصاناً في القصر فصرح بنفي الجناح عنهم لتطيب به نفوسهم ويطمئنوا إليه كما في قوله تعالى :﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ (التوبة : ١٥٨) مع أن ذلك الطواف واجب عندنا ركن عند الشافعي ثم أن العاصي كالمطيع في رخصة السفر حتى أن الآبق وقاطع الطريق يقصران لأن المقيم العاصي يمسح يوماً وليلة كالمقيم المطيع فكذا المسافر ولأن السفر ليس بمعصية فلا يعتبر غرض العاصي ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن خفتم
٢٧٣
أن يتعرضوا لكم بما تكرهون من القتال وغيره فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة والقصر ثابت بهذا النص في حال الخوف خاصة وأما في حال الأمن فبالسنة.
قال المولى أبو السعود في تفسيره وهو شرط معتبر في شرعية ما يذكر بعده من صلاة الخوف المؤداة بالجماعة وأما في حق مطلق القصر فلا اعتبار له اتفاقاً لتظاهر السنن على مشروعيته.
ثم قال بعد كلام بل نقول : إن الآية الكريمة مجملة في حق مقدار القصر وكيفيته وفي حق ما يتعلق به من الصلاة وفي مقدار مدة القصر الذي نيط به القصر فكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلّم من القصر في حال الأمن وتخصيصه بالرباعيان على وجه التنصيف وبالضرب في المدة المعينة بيان لا جمال الكتاب انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سافر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بين مكة والمدينة لا يخاف إلا الله فصلى ركعتين.
كذا في "الوسيط" ﴿إِنَّ الْكَـافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ أي ظاهر العداوة وكمال عداوتهم من موجبات التعرض لكم بقتال أو غيره.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٠
﴿وَإِذَا كُنتَ﴾ يا محمد ﴿فِيهِمْ﴾ أي مع مؤمنين الخائفين ﴿فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَواةَ﴾ أي : إذا أردت أن تقيم بهم الصلاة.
قال ابن عباس لما رأى المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه قاموا إلى صلاة الظهر وهو يؤمهم وذلك في غزوة ذات الرقاع ندموا على تركهم الإقدام على قتالهم فقال بعضهم : دعوهم فإن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأولادهم وأموالهم يريدون صلاة العصر فإن رأيتموهم قاموا إليها فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبرائيل عليه السلام بهؤلاء الآيات بين الصلاتين فعلمه كيفية أداء صلاة الخوف وأطلعه الله على قصدهم ومكرهم ذهب الجمهور إلى أن صلاة الخوف ثابتة مشروعة بعده صلى الله عليه وسلّم في حق كل الأمة غايته أنه تعالى علم رسول الله صلى الله عليه وسلّم كيفية أداء الصلاة حال الخوف لتقتدي به الأمة فيتناولهم الخطاب الوارد له عليه السلام.
قال في "الكشاف" : إن الأئمة نواب عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في كل عصر قوام بما كان يقوم به فكان الخطاب له متناولاً لكل إمام يكون حاضراً بجماعة في حال الخوف عليه أن يؤمهم كما أم رسول الله صلى الله عليه وسلّم الجماعات التي كان يحضرها ألا يرى أن قوله تعالى :﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ (التوبة : ١٠٣) لم يوجب كونه عليه السلام مخصوصاً بها دون غيره من الأئمة بعده فكذا صلاة الخوف فاندفع قول من قال صلاة الخوف مخصوصة بحضرة الرسول عليه السلام حيث شرط كونه بينهم ﴿فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٤
بعد أن جعلتهم طائفتين ولتقف الطائفة الأخرى بإزاء العدو ليحرسوكم منهم ﴿وَلْيَأْخُذُوا﴾ أي الطائفة القائمة معك وهم المصلون ﴿أَسْلِحَتَهُمْ﴾ أي : لا يضعوها ولا يلقوها وإنما عبر عن ذلك بالأخذ للإيذان بالاعتناء باستصحابها كأنهم يأخذونها ابتداء ﴿فَإِذَا سَجَدُوا﴾ أي القائمون معك وأتموا الركعة ﴿فَلْيَكُونُوا مِن وَرَآاـاِكُمْ﴾ أي فلينصرفوا إلى مقابلة العدو للحراسة ﴿وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا﴾ بعد وهي الطائفة الواقفة تجاه العدو للحراسة ﴿فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ﴾ الركعة الباقية ولم يبين في الآية الكريمة حال الركعة الباقية لكل من الطائفتين وقد بين ذلك بالسنة حيث روي عن ابن عمر وابن مسعود أن النبي عليه السلام حين صلى صلاة الخوف صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة
٢٧٤


الصفحة التالية
Icon